الضربة الإسرائيلية للحرس الثوري في دمشق وخطر الوقوع في فخّ اجتلاب الغضب الأميركي 

ضربة دمشق 2

يمكن اعتبار الضربة الإسرائيلية الأخيرة للمقرّ الإيراني في دمشق موازيةً في ارتداداتها وحساباتها الجيو سياسية لعملية اغتيال قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس في بغداد في 3 كانون الثاني 2020 .

  • شروط موافقة الرياض على التطبيع مع إسرائيل على المحكّ

نقول هذا انطلاقاً من قراءة تحليلية جيو سياسية تستندُ الى تفنيد المعادلات الآتية :
-أولاً : الزيارة القريبة المزمع أن يقوم بها كبار مستشاري الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان الى الرياض للبحث في استئناف ملف التطبيع السعودي- الإسرائيلي، تلك الزيارة المرهون نجاحها بمدى قبول بينامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرّفة بمتطلبات التطبيع السعودية، وهذا يعني أنه قد يكون من أهداف الضربة الإسرائيلية الأخيرة في دمشق إرساء معادلة إسرائيلية جديدة مفادها تقديم إسرائيل إنهاء الوجود الإيراني المؤثّر في سوريا والمنطقة مقابل نيل موافقة الرياض على التطبيع، وبالتالي تُعتبَر الضربة الأخيرة دُفعةً على الحساب يقدّمها نتنياهو للرياض، لكنها تبقى ناقصةً إن لم يوافق علناً على السير بالتطبيع، وهذا باعتقادنا ما ستعمل عليه الإدارة الأميركية خلال الأيام والأسابيع المقبلة بالتوازي مع السعي لوقف إطلاق النار في غزّة وإيجاد بدائل لغزو إسرائيل لمدينة رفح، من دون أن ننسى أن حكومة نتيناهو حالياً لا توافق على نهج الرئيس الأميركي جو بايدن مع الإيرانيين، لذلك تعمل تل أبيب ضد إيران، كما عملت السعودية ضد إيران في مصر وفي البحرين ضد سياسات الرئيس باراك أوباما المقرَّبة من إيران، وعلى إسرائيل واجب حماية الأردن من إيران أيضاً، ما يؤدي الى تقارب المصالح الإسرائيلية من الأهداف اﻻستراتيجية السعودية والخليجية.

  • الضربة الإسرائيلية الأخيرة غيّرت قواعد الاشتباك في المنطقة
  • ثانياً : الضربة الإسرائيلية التي استهدفت أول مرة وبشكلٍ مباشرٍ مقرّاً تابعاً للقنصلية الإيرانية في دمشق تُعتبَر نذر تغيّر قواعد اﻻشتباك الإسرائيلي- الإيراني- الإقليمي لأنها المرة الأولى التي تصلُ فيها اﻻستهدافات الإسرائيلية الى أراضٍ إيرانية بالمباشر، وكأن إسرائيل قصفت بشكلٍ مباشرٍ أراضٍ إيرانية، بما يذكّرنا بالقصف الصاروخي الباكستاني الأخير للأراضي الإيرانية، والتي اعتُبرت تغييراً في قواعد اﻻشتباك بين باكستان وإيران في إطار المسائل الخلافية المجمَّدة الى حينٍ بين البلدين.
    إسرائيل بقصفها الأخير للحرس الثوري الإيراني غيّرت قواعد اﻻشتباك لصالح توسيع المواجهة، ولا شيء بالتالي يمنعها بعد اليوم من قصف إيران في لبنان، أي حزب الله، لا إيران في العراق ولا في اليمن مباشرةً من خلال استهداف مواقع وشخصيات إيرانية قيادية مرموقة من الحرس الثوري وقيادات الصفَّين الأول والثاني .
  • طهران تحمّل واشنطن مسؤولية الضربة ضد إيران في سوريا

ثالثاً : هذه المرة وربما خلافاً للمرات السابقة، لم تطلب إسرائيل دعماً أميركياً لتنفيذ غاراتها على المبنى الملحق بالقنصلية الإيرانية في دمشق بل أبلغت الأميركيين قبل دقائق من حدوث الغارة عندما أصبحت المقاتلات الإسرائيلية F35 في سماء دمشق، ولم يعلّق البيت الأبيض على الموضوع، لكن إيران بعثت برسالة الى واشنطن عبر السفارة السويسرية تُحمّل فيها الأميركيين مسؤولية هذه الضربة.

  • وقت المهادنة وتدوير الزوايا السياسية والدبلوماسية إنتهى

رابعاً : الضربة الإسرائيلية الأخيرة في دمشق قد تُفسّر رسالةً إسرائيليةً مفادها أن وقت المهادنة وتدوير الزوايا السياسية والديبلوماسية قد إنتهى أقلّه بالنسبة لإسرائيل، وأن الآوان قد حان لضرب الأهداف الإيرانية في المنطقة بدءاً من لبنان، مروراً بسوريا، وصولاً الى العراق ربما، لاسيما وأن نتنياهو وحكومته مصمّمَين على ضرب حزب الله بعد اﻻنتهاء من غزّة واستكمال مخطط إضعاف إيران في سوريا وإخراجها منها.
من هنا، يمكن أيضاً فهم توقيت هذه الضربة الإسرائيلية في دمشق قبل أسبوعين من زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الى واشنطن لإفهام إيران بأن الوقت قد حان لترفع الأخيرة يدها عن العراق، وذلك بالتزامن مع زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الى واشنطن وحلقات اﻻجتماعات التي عُقدت بينه وبين نظيره الأميركي لويد أوستن، تلك الزيارة التي استغرقت ثلاثة أيام حصلت في أعقابها الغارة على دمشق.

  • واشنطن تسعى لثني تل أبيب عن أي تسوية مع طهران
  • خامساً : إسرائيل بضربتها في دمشق، حطّمت الهُدنة الأميركية- الإيرانية تمهيداً لقطع الطريق نهائياً على أي تسوية أميركية- إيرانية- إقليمية في المنطقة لا تصبُّ في مصلحة إسرائيل ولا الدول الخليجية والعربية، وثمة تناغمٌ مصلحي بين الطرفين حيال مَضار أي تسوية أميركية- إيرانية لا تأخذ بالاعتبار مصالح دول المنطقة، ولا سيما دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، في حين تسعى إسرائيل بكل قوتها الى ثَني الأميركي عن أي تسوية مع إيران.
  • هل ستسقط طهران في فخّ اجتلاب الغضب الأميركي؟! الضربة الإسرائيلية في دمشق استفزازٌ إسرائيلي صارخٌ ضد إيران لحملها على الردّ والسقوط بالتالي في فخّ اجتلاب الغضب الأميركي ضد طهران، إذ إن ضرب إيران وارد في إسرائيل وفي مخططاتها، وتل أبيب تسعى لإيجاد حجّةٍ أو مبرِّر لتنفيذ مثل هذه الضربة بُغية حمل الأميركيين والغرب على مؤازرتها ضد الخطر الإيراني، وباكورة هذا المخطط نُفِّذت في دمشق في الأول من الشهر الحالي.
    ضربُ القنصلية الإيرانية في سوريا دليلُ بدء مرحلة جديدة فيها وفي المنطقة، وإعادة خلط أوراق جديدة، فالمنطقة مقبلةٌ اعتباراً من الآن على مرحلة جديدة، وهذه الضربة ستفتتح مرحلةً جيو سياسية بالغة الدقة والخطورة والحسم وتوصل ربما بنتائجها وتردداتها الى ما هو أبعد من قلب معادلات وربما صفقات تطبيع جديدة منتظرَة ومتوقَّعة .
المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: