كتبَ أنطوان سلمون:
لا شك بأنّ سقوط نظام بشار الأسد الحدث الجلل الذي كلّل يوم الثامن من كانون الاول 2024 سيبقى راسخاً محفوراً في ذاكرة ووجدان اللبنانيين على اختلاف مشاربهم وتناقض ردات فعلهم وصدمتهم بين الايجابي المتخلص من ظلم وجور وقهر وتعذيب واعتقال وقتل والسلبي الفاقد للظهر والسند والدعم والممر والمسار لتمويله وتسليحه وتصديره “ميزانيتنا ومعاشاتنا وأكلنا وشربنا وسلاحنا وصواريخنا” الآتية كلها من الجمهورية الاسلامية في ايران”، عابرة الممر العراقي السوري مستقرة في لبنان، ولا شك أيضاً بأن ردة فعل السوريين والفلسطينيين وبقية العرب اختلفت وتفاوتت بين متضرر من افعال النظام وارتكاباته في القمع والاعتقال والاغتيال وبين مستفيد ومستقوي بتلك الارتباكات ومن نفوذه ومن عطاءاته.
لقد عبّر السوريون قبل اللبنانيين بأغلبيتهم عن ارتياحهم من ازاحة الكابوس البعثي الذي جثم على صدورهم لأكثر من خمسين عاماً، كما عبر الممانعون من لبنانيين وغيرهم من سوريين وفلسطينيين وعراقيين وايرانيين وحوثيين يمنيين عن هول الصدمة التي اصيب به المحور متوجسين متخوفين مخوّفين من الآتي عليهم متحسرين على من وما مضى.
على الرغم من صمت القبور الذي قرره واعتمده المحور واعلامه وشخصياته اتت مقدمة قناة المنار في نشرتها المسائية في 8 كانون الاول 2024 معبّرة عن حالة الانكار ومحاولة التخفيف من هول الكارثة على الحزب والمحور من الحدث وتداعياته المستقبلية اذ ورد فيها: “اختارَ الاسدُ حقنَ ما امكنَ من دمِ السوريين، وسلَّمَ السلطةَ على املِ ان تَسلَمَ وَحدةُ البلاد. سَلّمَ بعدَ ان قاومَ لعقودٍ ولم يَستسلم لكلِّ الاغراءاتِ التي ارادت ان تُغيّرَ قِبلتَه السياسيةَ عن فلسطينَ وقضيتِها.. هو مشهدٌ غيرُ مسبوقٍ في سوريا منذُ أكثرَ من نصفِ قرن”.
حقن الاسد للدماء الذي زعمته قناة الحزب والذي لم يحقنه نظاماً الاسد الاب والابن “منذ اكثر من نصف قرن” هو المشهد غير المنطقي وغير المعهود وغير المسبوق مع ملايين ضحايا النظامين من معتقلين ومقتولين ومهجرين من عرب سوريين ولبنانيين وفلسطينيين وعراقيين وغيرهم من ضحايا الاسد حافظ وبشار الذي لم يتوان منذ الثورة في آذار 2011 على الافراط في استعمال القوة والافراط فيها على اجساد الاطفال في درعا وصولا الى استعمال الاسلحة الكيماوي على الأبرياء من نساء واطفال وعجائز حيث لا حقن للدماء ولا اقتصاداً او تقليلاً من استعمال للبراميل المتفجرة على السوريين.
في قراءة للسبب الحقيقي لتلك الصياغة المدبّجة في مقدمة نشرة أخبار قناة الحزب المتهرّبة من ذكر واقع وحقيقة وانعكاس الصدمة نعود الى اهمية نظام بشار الاسد الحيوية والحياتية والوجودية بالنسبة للحزب والتي شرحها امين عام الحزب الراحل السيد حسن نصرالله في 25 أيار 2013 بقوله: “سوريا هي ظهر المقاومة وهي سند المقاومة، والمقاومة لا تستطيع ان تقف مكتوفة الايدي ويكشف ظهرها او يكسر سندها. اقول هذا بصراحة والا نكون اغبياء”، وقد يكون ما نقلته عنه في 5 ايار 2015 صحيفة الأخبار الناطقة باسم الحزب خلال لقائه بميشال عون” :لن يكون هناك سقوط للرئيس السوري بشار الاسد ونظامه، لأن سقوطه يعني سقوط الحزب بالذات، وسقوط محور الممانعة”… خير تعبير موثوق عما يمكن ان يكون آل اليه مصير الحزب ومحوره الممانع بعد ما حصل في غزة واغتيال قادة حماس وما حصل في لبنان واغتيال نصرالله نفسه وكثير من قيادات الحزب وصولاً الى سقوط بشار الاسد ونظامه الذي يعني حسب الامين العام في عز قوة الحزب في الـ2015: “سقوط حزب الله بالذات وسقوط محور الممانعة” الذي عجز رأسه في ايران وذراعه في لبنان عن حمايته من السقوط وقد أكد خليفة نصرالله الشيخ نعيم قاسم في 5 كانون الأول 2024 بقوله: “حزب الله سيقف إلى جانب سوريا بما “يتمكّن” عن عدم تمكن حزبه من حماية ظهر وسند المقاومة ومساهمته مع رأس محوره الايراني وداعمه الروسي بكشف ظهر المقاومة وكسر سندها ليكون المذكورون منتحرين ومن “الأغبياء”.
انطلاقاً مما سبق نجد ان تخويف الحزب والمحور من بديل بشار الأسد بعد سقوطه يتطابق مع التخويف السابق من طرح تغيير نظام حافظ الأسد الذي تلا مجزرة حماه والذي رد عليه الرئيس الشهيد بشير الجميل بأن “اي نظام قد يحل محل الأسد مهما بلغت سيئاته وارتكاباته لن يكون اسوأ وأفظع من ارتكابات وفظائع نظام حافظ الأسد”، كما يجمع اللبنانيون والمراقبون القارئون وانطلاقاً مما سبق، ان ما قاله كل من نصرالله وقاسم، على ملاءمة حال “المحور” مع ما قاله رئيس القوات الدكتور سمير جعجع على ان “اللعبة انتهت”.