المطلوب حكومياً إسقاط قدرة الحزب التعطيلية.. شاء مَن شاء وأبى مَن أبى

Doc-P-1104894-638296703968697612-1

كتب جورج أبو صعب: ثمة فريق من اللبنانيين لم يستوعب الى الآن أن المعادلات التي حكمت المشهد اللبناني سابقاً سقطت، ولم يعد بالإمكان أحياؤها من جديد، لا بمَسيرات دراجة ولا بشعار “شيعة شيعة” ولا بالأعلام الحزبية ولا بكلام أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم المنفصل كلياً عن قراءات الواقع السياسي والميداني، إذا لطالما كان دور حزب الله لعقدين من الزمن دوراً تعطيلياً وتوريطياً للبنان في صراعات محاور تجاوزت حدود لبنان ومصالحه ما أدى الى تعطيل قرار الدولة وتغييبها وتغييب مؤسساتها وانتهاك سيادتها ودستورها واحتكارها لقرار الحرب والسِلم واستباحة الساحة اللبنانية.

هذا الواقع المرّ إنتهى وانتهت معه مبرّرات المسايرة وتدوير الزوايا، فبقدر ما هو مطلوب لإنقاذ لبنان ووضعه على سكة الإصلاح، بقدر المطلوب إعادة الحزب الى حجمه اللبناني الداخلي والتوقّف عن اعتباره رقماً صعباً، وهو لم يعد كذلك باعترافات أمينه العام الذي أقرَّ في لحظة “صحوة فكرية” أن الحزب ليس بقوة إسرائيل ولا هو قادر على حماية لبنان.

منذ العام ٢٠٠٥، إنتهج الحزب أسلوب ضرب الدولة والمؤسسات والدستور باللجوء الدائم الى التعطيل، وبهذا الأسلوب أوصلَ مَن يريده الى رئاسة الجمهورية وأوصلَ وزراء ومجالس وزراء ورؤساء “مطواعين” ومجلساً نيابياً عاجزاً ومهيمناً عليه ومُصادراً دوره في الرقابة والمحاسبة والتشريع وتعيينات وظيفية عامة لدعم الفساد في مقابل حماية سلاحه وإحكام سيطرة الحزب على مفاصل الدولة.

كل هذا سقطَ بتوقيع الحزب اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى سطوته العسكرية على البلاد والدولة وأقرَّ فيه باستسلامه المبطّن، وبالتالي تراجع قدرته على التحكّم بمفاصل القرار، ثم جاء سقوط النظام السوري ليكرّس اشتداد الطوق على رقبته بإنهاء مشروعه الإقليمي الذي كانت دمشق ممره الأساسي لا بل عمود “هلاله الفقري”، وبالتالي فتح الباب أمام صفحة جديدة دُعّمت بانطلاقة عهدٍ جديدٍ بانتخاب الرئيس جوزاف عون بدعمٍ وزخمٍ داخلي وإقليمي ودولي، ومن ثم تسمية نواف سلام ما أنهى كلياً سياسة التعطيل وأخرج سطوة الحزب من ميدانها الداخلي، ومن هنا لا يجب أن نعيد إعطائه في التشكيل والتأليف ما خسره في المعادلة الوطنية والإقليمية، الأمر الذي يبدأ بعدم الخضوع لشروطه في التوزير والمحاصصة.

“الشيعية السياسية” انتهت حالياً والسلاح لم ينتفِ فحسب بل انكشف داخلياً ودولياً ولم تعد له وظيفة بعد أن أُبعد من أرض المواجهة جنوب الليطاني الى ما وراء شماله.. فلم يعد من مبرّر لأخذ شروطه بالاعتبار لا سيما وأن في الطائفة الشيعية الكريمة كفاءاتٌ من خارج الحزب وبيئته الحاضنة كما من خارج حركة أمل وبيئتها الحاضنة .

ومع سقوط الحزب عسكرياً وسياسياً، باتت الطريق مفتوحة أمام الرئيس المكلّف نواف سلام، صاحب المعايير الموضوعية، للتأليف وما عليه سوى السير في التأليف بالاتفاق والتنسيق والتعاون مع الرئيس عون، فلا شيعية سياسية بعد اليوم ولا سلاحاً ضاغطاً، وقد اختصرت المَسيرات الدراجة ترسانة الحزب العسكرية خير اختصار دلالةً ليس فقط على سقوطها بل وأيضاً على انتهاء المشروع الإيراني في لبنان كجزء من انتهائه في المنطقة .

المعادلة أمام سلام واضحة: إما حكومة ثقة تنهض بالبلاد من رواسب الماضي وعقلياته وتفتح الباب أمام كمّ الأموال والتمنية والإعمار، وإما سقوط العهد في أولى خطواته، وهذا ما لم ولن يقبل به غالبية اللبنانيين المدركين لتداعيات مثل هذا السقوط لا سمح الله، وإذا كان الخيار بين حكومة ترضي الحزب أو لا حكومة فالأفضل لا حكومة.. الى هذا الحد، نعم لا حكومة أفضل من حكومة تحمل في  طياتها بذور التعطيل وتفشيل للعهد.

إنتهى زمن التسويات والالتفاف على الدستور والمؤسسات والقوانين وحان الوقت ولو لمرةٍ أن نثبت كلبنانيين قدرتنا على حكم أنفسنا بأنفسنا منعاً لوضع لبنان تحت حكم الوصاية لعجزه عن إدارة شؤونه بنفسه، وبالتالي لم يعد للحزب أي قدرة على فرض شروطه فإذا لم يوافق على تأليف الحكومة أو لم ينل حصته المعطّلة فليذهب للمعارضة ولتتشكل حكومة كفاءات سياسية تقنية من خارج الانتماءات الحزبية، لكن على أن تكون قادرة على اتخاذ المواقف السياسية والوطنية الصحيحة المنفِّذة لمضامين خطاب القسم.

لبنان أمام تبدّل موازين قوى كانت أولى ثماره انتخاب الرئيس جوزاف عون وتسمية نواف سلام لتشكيل وترؤس الحكومة تلك الموازين التي أخرجت إيران من المعادلة اللبنانية ونقلت البلد من ضفة ولاية الفقيه الى العودة للحضن العربي الخليجي، وبالتالي إنها الفرصة الذهبية للبنان واللبنانيين ممنوعٌ فيها الاستمرار في ممارسة السياسة والعمل الوطني بعقلية الفوضى والتعطيل السابقة، ولذا يجب تحييد الحزب عن أية قدرة على تعطيل مسيرة النهوض والإنقاذ واستعادة لبنان عافيته تدريجياً وذلك من خلال تفكيك قدرته على التعطيل بدءاً من إخراج عملية التشكيل والتأليف من دائرة التجاذبات السابقة والمضي قدماً بحسم وحزم باتجاه تشكيل حكومة عهد على قدر آمال وطموحات اللبنانيين، وإلا نكون أمام عودة الى التعطيل ما سيترتّبُ عليه من فشل للعهد لاسيما وأن الإيراني الذي يتفرّجُ اليوم يناسبه استخدام تعطيل التأليف والتشكيل للردّ على مَن اتُهم زمن وصايته بالتعطيل، مستشهداً بالتخبط الحاصل في الزمن الجديد.

لا حقيبة للثنائي بل حقيبة للطائفة من خارج الثنائي والا فليذهب الى المعارضة.. لبنان لم يعد يتحمّل مزيداً من التأخير في الانطلاقة الجديدة والمطلوب أكثر من أي وقت مضى نزع فتيل أي تعطيل حكومي من الآن شاء مَن شاء وأبى مَن أبى.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: