المفاوضات الدولية: مَن يمثل لبنان؟

moufawadat

يؤكد مرجع دستوري بارز أن الرئيس نبيه بري، رئيس مجلس النواب، يدّعي اليوم تمثيل لبنان في المفاوضات الدولية لوقف إطلاق النار، إلا أن هذا الدور يتناقض مع أصول العمل الدستوري ومفهوم التمثيل الوطني. بري ليس جهة محايدة؛ فهو طرف مباشر في الأزمة الحالية، إذ أن حركة أمل الذي يترأسها تُعتبر شريكًا أساسيًا لحزب الله في السياسة والحرب. من يمثل لبنان في المفاوضات يجب أن يكون جهة رسمية جامعة لكل اللبنانيين، تعكس المصلحة الوطنية، وليس شخصية محسوبة على طرف معين.

ويُشير المرجع إلى أن تصريحات الرئيس بري حول “عدم التنازل عن حقوق لبنان” تُثير تساؤلات مشروعة. في ظل غياب الشفافية، من الصعب التمييز بين ما إذا كان بري يُدافع عن مصالح لبنان، أم عن مصالح الثنائية الشيعية، لا سيما حزب الله. ما يجري اليوم يعيد إلى الأذهان المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية، التي أُديرت بعيدًا من المؤسسات الدستورية ولم تُعرض بالشكل الكافي على المجلس النيابي، مما أدى إلى تنازلات فادحة أضاعت على لبنان فرصة تاريخية لتحسين أوضاعه الاقتصادية، في سبيل خدمة مصالح إقليمية تتعارض مع المصلحة الوطنية.

من الناحية الدستورية، يُشير المرجع إلى أن رئيس الجمهورية، بصفته رأس الدولة، هو الجهة المخولة دستوريًا بقيادة المفاوضات الدولية. وفي غياب رئيس الجمهورية، تنتقل هذه المسؤولية إلى الحكومة بوصفها السلطة التنفيذية التي تُعبّر عن الإرادة الوطنية، ولا يجوز أن تُدار المفاوضات من قبل شخصيات لا تُجمع حولها المؤسسات الشرعية أو الشعب اللبناني. إذا أصر الرئيس بري على التفاوض، فيجب أن يتم ذلك وفق الأطر القانونية والدستورية، من خلال اجتماع المجلس النيابي كمؤسسة شرعية جامعة تُحدد موقف لبنان الرسمي، مع اطلاع النواب والشعب على خريطة التفاوض وآلياته.

يُحذر المرجع من أن إدارة الرئيس بري للمفاوضات تُهدد بتكرار الأخطاء التي وقعت خلال “سنة من حرب الإسناد”، حين تم توريط لبنان في صراعات إقليمية من دون أي حساب للمصلحة الوطنية. مفاوضات الرئيس بري السابقة أدت إلى مزيد من العزلة الدولية وتعميق الأزمة الاقتصادية، ما يُثير القلق بشأن مصير لبنان إذا استمرت المفاوضات تحت نفس الإدارة، التي تُغلب مصالح فئة على حساب المصالح اللبنانية.

الرئيس بري، بدلاً من توظيف موقعه لتوحيد الموقف الوطني، يُصر على السير بمغامرات جديدة تُهدد بتعميق الانقسامات الداخلية، وتعطيل القرارات الدولية التي تهدف إلى إعادة الاستقرار للبنان. القول بأنه “لن يتنازل عن حقوق لبنان” لا يمكن الوثوق به، لأن الوقائع تُظهر أنه يعمل على إبقاء سلاح حزب الله وسلطته في الحكم، ما يضع البلاد في مواجهة مع المجتمع الدولي ويزيد من احتمالات التصعيد الداخلي.

يُشدد المرجع الدستوري على أن الحل الأمثل اليوم هو إدارة المفاوضات من خلال مؤسسات الدولة، ضمن إطار دستوري واضح يُلزم جميع الأطراف. الشعب اللبناني يحق له الاطلاع على تفاصيل التفاوض والمشاركة في تحديد مصيره عبر ممثليه المنتخبين. أي محاولة لتهميش المؤسسات أو تغييبها عن هذا الملف المصيري لن تُفضي إلا إلى مزيد من الفوضى والتدهور.

إن على الرئيس بري أن يُدرك أن العناد والمغامرات السياسية لن تُحقق سوى المزيد من الخسائر للبنان، وعليه أن يتحلى بالحكمة، فلبنان اليوم في حاجة ماسة إلى رجال دولة، لا إلى رهانات شخصية تُضعف ما تبقى من مقومات السيادة والاستقرار.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: