الملفُ النووي الإيراني والتلاعبُ بمصير الشعبَين اللبناني والفلسطيني

iran

مع فشل المفاوضات الأميركية – الإيرانية عبر القنوات الخلفية وتوقّف “منصّة فيينا”، عادت طهران لتلعب ورقة الملف النووي وتعزّز من ترسانتها الإنتاجية.

في آخر المعلومات أن طهران بنت مُفاعلاً نووياً تحت الأرض في جوار مُفاعل “ناطنز” الشهير بعمق بلغ 100 مترٍ بحيث تعجزُ أحدث وأدق الصواريخ الأميركية عن الوصول الى هذا العمق، وقد أجمعَ الخبراء العسكريون على أن الحدَّ الأقصى لعمق الصواريخ يصلُ الى 60 متراً تحت الأرض.
إيران اذاً عادت لتعلب ورقة النووي ولكن باتجاه تصاعدي وتصعيدي متفلّت من كل القيود والشروط بما فيها تلك التي حدّدتها لها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد تبيّن أن طهران خلال الفترة السابقة استغلت خير استغلال الانفتاح الأميركي عليها والتفاوض معها على ملفات المنطقة بحيث سرّعَ النظام الإيراني من وتيرة الإنتاج والتخصيب وبناء الهيكليات الإنتاجية المحميّة.

  • طهران وسياسة الإلهاء لإتمام قدراتها النووية

المرشدُ الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي اتّخذَ قراره بتحقيق التفوّق النووي وامتلاك القنبلة النووية، وقد تلاعبَ بالرأي العام الدولي والأميركي تحديداً عندما أوهمه بعقيدة غير نووية وغير عسكرية، وقد صحت عواصم القرار الدولي حالياً على حقيقة التلاعب والخديعة الإيرانية الكبرى.

ثمة اتجاهٌ يعتبرُ أن تواصل البيت الأبيض مع النظام الإيراني إثر انفجار الحرب في غزّة كان في أساسه خطأ استراتيجياً كبيراً لأن هذا التواصل سمحَ للإيرانيين بكسب الوقت مقابل عدم استحصال واشنطن على أية ضمانات او مكتسبات من طهران، ما يعني أن إيران لا تزال في مرحلة استخدام أوراقها الإقليمية من الملف النووي وصولاً الى وجود الوكلاء، خصوصاً في كلٍ من لبنان واليمن، ومن هنا يمكن فهمُ الدور المنوط بكلٍ من حماس وحزب الله والحوثيين في إشعال فتائل المواجهات والحروب من غزّة الى جنوب لبنان الى الممرات والبحار المائية المحيطة باليمن، حيث الوكلاء وبتوجيهٍ إيراني مباشر ساهموا ولا زالوا في تحقّق الخديعة الإيرانية النووية الكبرى انطلاقاً من مبدأ الإلهاء والإشغال لإكساب الإيرانيين المزيد من الوقت لإتمام القدرات النووية.

المنشأةُ النووية الجديدة التي يتمُّ بناءها تحت الأرض في إيران قرب مُفاعل “ناطنز” تؤشر الى تصميم إيراني بخوض كافة الأوراق التي تمتلكها طهران إقليمياً لتجنّب سقوط نظامها، وقد تسرّبت معطيات مؤخراً عن وجود تهديد إيراني للغرب بأن أي اعتداءٍ على النظام الإيراني سيحمل الحرس الثوري الإيراني على احتلال العراق كاملاً شعوراً من هذا النظام بأنه محاصرٌ، وبالخسارة الاستراتيجية التي مٌُنيت بها طهران عندما راهنت فقط على قوة وفاعلية الوكلاء ولا سيما حزب الله وحماس، وهما أضعف من تحمّل حرب إسرائيلية كبيرة مدعومة أطلسياً ضدهما.

  • رسائل نارية تحذيرية من تل أبيب الى طهران

في هذا السياق، نذكّرُ بأن إسرائيل أرسلت رسالة نارية الى إيران ونظامها في 18 نيسان الفائت حين استهدفت بطاريات دفاعٍ جوي تحمي منشأة “ناطنز” من دون استهداف المنشأة نفسها، ما يعني إفهام طهران بأن هيكلياتها النووية كافةً هي موضوعُ ترصّدٍ وأهدافٌ سهلةٌ للاستهداف إذا أرادت أميركا وإسرائيل ضربها، فضلاً عن استباحة الأجواء الإيرانية من قبل إسرائيل واستباحة الداخل الإيراني بالعملاء والمتعاملين مع الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية.

هناك تقاطعٌ في المعلومات والمعطيات يؤكد أن الحرس الثوري هو الذي نشّط هجمات الوكلاء على إسرائيل تجنّباً لخوض حربٍ تقليديةٍ مباشرةٍ بين إيران وإسرائيل والمصالح الأميركية بهدف، ليس فقط قطع الطريق أمام التطبيع الخليجي- السعودي- الإسرائيلي، بل أيضاً لشراء الوقت من قبل طهران لاستكمال برنامجها النووي الذي “قوطعَ” مراتٍ عدة في السابق وتعرقلَ وتعرّضَ لضغوطٍ دوليةٍ ضخمةٍ جداً أدّت الى لجمه لفترة مع تركيز الأنظار والاهتمام الدوليين عليه.

  • سعي حثيث لاستمرار حالة “التصعيد المضبوط” في المنطقة

ثمّة نقطة ضعفٍ في الوضع الأميركي الحالي تستفيد منه طهران الى حدٍّ ما، فالرئيس جو بايدن لا يريدُ أي تصعيدٍ في المنطقة خلال هذه المرحلة لأسباب عدة منها داخلية ومنها خارجية، وهو يخافُ من اضطرار واشنطن للتورّط في حربٍ بين إسرائيل وإيران وأذرُعها، من هنا فإن المساعي والضغوط الأميركية المبذولة إزاء ملفات المنطقة ولا سيما غزّة وجنوب لبنان للتهدئة ووقف إطلاق النار والهدنة وإطلاق سراح الرهائن من الجانبَين، في مقابل استمرار التصعيد الإيراني عبر حزب الله والحوثيين وحماس في غزّة.

واشنطن لا تريدُ حرباً بين إسرائيل وحزب الله، لكن الإيراني يسعى لاستمرار “التصعيد المضبوط” الذي لا يصلُ الى حدِّ الحرب الواسعة وفي الوقت عينه لا يُهدّئ الساحات بل يجعلها في حالة دائمة من الغليان القابل للانفجار في أي وقت لا لشيء سوى لمنح النظام الإيراني المزيد من الوقت لإنجاز هيكليات برنامجه النووي وبلوغ مرحلة التخصيب العسكري النووي.

  • لعبةُ استمرار التوتر وإلهاء الغرب عن ملفاتٍ أساسية

مجلسُ الأمن صوّتَ على قرارٍ يفرضُ على حماس قبول وقف إطلاق النار مع إسرائيل (ما يطرحُ أساساً شرعية مثل هذا القرار من الناحية القانونية إذ إن حماس ليست السلطة الفلسطينية ولا تمثّلُ الشعب الفلسطيني)، لكن زعيم حماس العسكري يحيى السنوار رفضَ القرار مدّعياً وجود مطالب جديدة له لا لشيء إلا في سياق الاستراتيجية الإيرانية لكسب الوقت ولو على حساب إطالة أمد الحرب وسقوط المزيد من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء وإحداث مزيدٍ من التدمير للقطاع.

فالبلبلة والصراعات واستمرار التوتر كلها أدوات من “عدّة” شغل إيران في هذه المرحلة لإلهاء وإشغال الغرب عن الأساسيات وأولها الملف النووي وتطوره، ومَن يتابعُ المواقف الأميركية ومنها تصريح وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن الأخير، والذي قال فيه إنه حانَ الوقت لواشنطن أن تتوقّف عن المساومة مع نفسها بحيث يجب ترك إسرائيل تنهي حماس، فيما يبقى حزب الله تحت السيطرة من دون فتح حروب معه، وموقف المبعوث الأميركي الرئاسي آموس هوكشتاين الذي طلبَ من إسرائيل عدم التصعيد مع حزب الله منعاً لتوسعة الحرب، يتيقّن بأن واشنطن بلغت مرحلة قراءة الأزمة بواقعية وبراغماتية تحملها على الحدّ من طموحات إيران في المنطقة، وتقطعُ عليها طريق الطموح النووي في إحد أبرز الملفات الخلافية الخطيرة بين طهران والغرب.

من هنا، فإن الأولوية الإيرانية للمرحلة الحالية هي العملُ على إطالة أمد الحرب، الأمر الذي يتلاقى مع مصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يهمه إطالة أمدها أيضاً لتجنّب نهاية حياته السياسية ومواجهة القضاء.

هي معادلةٌ ماكيافيليةٌ مكشوفةٌ تتلاعبُ بمصير الشعبَين اللبناني والفلسطيني وتقاطع مصلحي آني بين العدويَين الحليفَين، إسرائيل وايران، انطلت حتى على الديمقراطيين في البيت الأبيض، والنتيجة إلهاء وكسب وقت على حساب دماء ودموع وأرزاق الشعبَين الضحيتَين، من أجل “نووي نظام طهران”.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: