باتَ من المؤكد، ردّاً على ما يُقال ويُشاع حول الوجود الأميركي في سوريا، أن واشنطن لن تنسحب من شمال شرق سوريا إلا بعد حصول شرق الفرات على ضماناتٍ تحمي الوجود الكردي المستقل والأقليات المتحالفة مع الأكراد.
والمؤكد أيضاً أن مشروع اللامركزية وكذلك الفدرالية هما عنوانا المرحلة المقبلة بتحقّق الانتقال السياسي، وخروج آخر عسكري أجنبي من سوريا (إيراني- روسي وتوابعهم وأميركي ..)
في المعلومات المتوافرة، وضعت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) استراتيجية خاصةً لشرق الفرات قوامها تعزيز الوجود العسكري الأميركي في شرق المتوسط والإبقاء في شرقي الفرات على قاعدة عسكرية أميركية رئيسية.
بالتزامن، وإذا نظرنا الى المناورات الأميركية مع الأرمن في القوقاز، والى القلق الروسي مما يحدثُ في أوكرانيا وشرقي القوقاز في ظل صمتٍ تركي وآخر صيني لكون الوجود الأميركي والحليف للأميركيين في هذه المنطقة يهدّدُ “طريق الحرير”، يمكن أن نستنتج بأن الصراع الدولي بات يُلقي بثقله على خريطة المنطقة انطلاقاً من الوجود الروسي- الإيراني- الأميركي في سوريا .
لذلك تحاول كل قوة من هذه القوى استعادة أوراقها بدءاً من سوريا، حيث أبلغ الرئيس فلاديمير بوتين نظيره التركي رجب طيب اردوغان أن “كوباني” خطٌ أحمر روسي، كما أبلغ الجانب الأميركي الرئيس التركي أن منطقة شرق شمال الفرات حيث “قسد خط” خطٌ أحمر أميركي، وبالتالي ثمة تنسيقٌ أميركي- روسي مع قسد.
بالعودة الى المناورات الأميركية في القوقاز مع عسكرة الأرمن ضد أذربيجان المتعاونة مع الإسرائيليين والأتراك، نجدُ أن قواعد اللعبة هناك ترمي الى تمكين واشنطن من الإبقاء على قوةٍ رادعةٍ حليفة لها تمكّنها من محاصرة القوقاز شرقاً، وإقامة التوزان بين الوجود التركي الفاعل من جهة والعمق الروسي شرقاً من جهة أخرى، ما يؤمّن خلفيةً صلبةً للأميركيين ويطلُ على منطقة القوقاز، وصولاً الى إيران وباكستان ودول شرق آسيا.
وفي العودة الى سوريا، سيبقى بشار الأسد حالياً في السلطة باتفاق أميركي- روسي، فيما العرب ولا سيما الدول الخليجية تعملُ على إخراجه بطريقة سلسة، خصوصاً أن الأسد وعائلته وحاشيته باتوا هدفاً لأطراف عدة، بدءاً من إيران نفسها التي لم تتخلَ عن ملاحقة أعوان الأسد المسؤولين عن الخيانات التي ارتُكبت في حق الوجود العسكري والقيادي الإيراني في سوريا نتيجة الجواسيس الذين أعطوا الأحداثيات لإسرائيل.
الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، تؤكد استعدادها لإعادة بناء سوريا كما كانت قبل 2011 من دون الحديث عن النظام السوري، لأن هَمَّ العرب هو الحفاظ على ما تبقّى من دولة وإعادة لمّ الشتات السوري وإنتاج حالة تغيير سياسي جذري، فيما يبدو أن الأسد بدأ يستجيب لطلباتهم من خلال قوننة وإلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية وتحويل الجيش السوري الى جيشٍ محترفٍ ونظامي .
وفي نفس الوقت، طُلِب من الأسد الإسراع في بتّ المصالحة مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من أجل إنهاء فوضى المناطق الشمالية الذي تسبّبه الفصائل المتناحرة.
موسكو باتت مقتنعةً بأن بشار الأسد لا يمكن أن يكون جزءاً من الحلّ، لا بل هو أساس المشكلة ولا يمكنه أن يبني سوريا ولا حتى تحقيق مصالح روسيا، وبالتالي فالمطلوب منه استكمال المرحلة الحالية حتى يحين موعد إنهاء مهامه .