تتّجه الأحداث في سوريا كما في لبنان والأردن نحو اتجاهات غريبة وفجائية على أكثر من صعيد، فالضربة الإسرائيلية الأخيرة على قنصلية إيران في دمشق لن تكون الأخيرة بل ستتبعها سلسلة من الضربات التي يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته قرّرا السير في طريقها التصاعدي والتصعيدي وصولاً الى لبنان وسوريا بعد اﻻنتهاء من مسألة رفح، فيما يبدو أن طهران تريد، ومن خلال ميليشياتها وبحجة نُصرة غزّة، خرق الأردن أمنياً واستخباراتياً وعسكرياً، فالوضع على الحدود العراقية- الأردينة بات ضاغطاً وخطيراً وهو يتزامن مع تفجّر احتجاجاتٍ داخل المملكة الهاشمية وهي معادية للملك عبد الله الثاني، مطالبةً بالانخراط في حرب غزّة بدفعٍ واضحٍ من الإيرانيين وأتباعهم في الداخل الأردني.
الأسد ونظامه ملتزمان بالسكوت حيال الأحداث الجارية على أرض سوريا
بالأمس، سقطَ لحزب الله اللبناني في حلب أكثر من ٤٩ عنصراً خلال عمليات القصف، في حين أبلغ بشار الأسد بالتزامه السكوت حيال الأحداث التي تحصل في سوريا والتي ستحصل لاحقاً، وقد لاحظَ المراقبون السكوت المطبَق الذي ينتهجه الأسد غداة كل حدثٍ أمني أو عسكري على الأراضي السورية نتيجة الضربات الإسرائيلية والغارات على المواقع الإيرانية والميليشياوية.
أما على الحدود السورية- اللبنانية- الإسرائيلية المشتركة فهناك حشودٌ عسكرية إسرائيلية ضخمة ودعمٌ لوجستي ونقلٌ لمنصّات صواريخ الباتريوت والتوماهوك والكروز، مع تزويد الإسرائيليين لقنابل تخترقُ الطوابق والمباني بوزن أقلّه 2000 رطل.
روسيا تتعهّد أمن الأسد الشخصي في سوريا
بشار الأسد موجود في منطقة صبورة بحسب المعلومات فيما روسيا تتعهّد أمنه الشخصي مع عائلته، ما قد يضطر الروس لنقله الى مطار حميميم عند حصول أي خطرٍ عسكري، أما إسرائيل فقد وضعت لائحة أهدافٍ استراتيجية حساسة في سوريا ولبنان، وقد بلّغَ الأسد الإماراتيين عجزه عن طرد الإيرانيين من سوريا، فأُجيبَ بضرورة اﻻحتفاظ بالصمت وترك الآخرين يتولّون المهمة،
فيما اﻻستخبارات الإيرانية تطرحُ علامات استفهام وتشكيك حول الآليات التي تُتّبَع في إبلاغ الإسرائيليين بإحداثيات أهدافٍ وشخصياتٍ إيرانية في الأمكنة والأزمنة الدقيقة لتواجدها في سوريا، ما قد يُفسّر حالة انعدام الثقة التي بدأت تتعاظم بين الأسد والإيرانيين، وهو الأمر الذي يدفع بالروس أكثر فأكثر الى تولّي أمنه ربما احتياطاً لمنع اغتياله من قبل الإيرانيين أنفسهم في لحظة ما.
والجدير ذكره أن المنطقة الواقعة ما بين القنيطرة ودمشق هي مزروعة بوسائط الدفاع الجوي الروسية والإيرانية والسورية، فالسؤال هنا يُطرَح حول كيفية اختراق المقاتلات والمُسيّرات الإسرائيلية الأجواء فوق هذه المنطقة؟
عندما يبيع الأسد سوريا لإيران وروسيا
الأسد استنزفَ إيران التي لم يعد لديها ما تملكه لتعطيه، وقد أصبح الوجود الإيراني عبئاً على بشار الأسد ومن هنا المحاولات الخليجية ولا سيما الإماراتية لتقريب رئيس النظام السوري منها استغلالاً للحظة أزمة الثقة هذه بينه وبين الإيرانيين، وقد ” شَلّحَه ” الإيرانيون كل ما يملك من بنى تحتية وثروات، فما أن يذهب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي حتى يأتيه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ذهاباً وإياباً لإلزام الأسد بالتوقيع على المزيد من العقود والصفقات التي تنهب وتسرق ثروات سوريا وممتلكاتها ومواردها، فيما
بشار الأسد مَدينٌ للإيرانيين ويستجدي العطف العربي وتحديداً الخليجي، لكن الخليجيين أبلغوه أنه في ظل العقوبات الأميركية عليه وعلى نظامه لا قدرة للدول الخليجية بمساعدته ما لم يتخلّص من الوجود الإيراني، وهذا ما أبلغهم بعجزه عن تنفيذه وقد تغلغل الإيرانيون داخل الأمن العسكري وفي سلاح الجو وأمن الدولة والقصر الجمهوري، في الوقت الذي يراقب فيه الإيراني الروسي ويتجسس عليه، والعكس صحيح بحيث أن الروسي يراقب الإيراني ويتجسّس عليه، ما يشكّل حالة توتّرٍ قصوى تجاوزت بشار الأسد الذي باع سوريا للإيراني والروسي، فيما
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أعلن بوضوح منذ أيام بأن إسرائيل انتقلت من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم، هذا الهجوم الذي قد يصل الى العراق … ومن هنا كانت ضربة المزّة الأخيرة ضد الإيرانيين إيذاناً بمرحلة جديدة مختلفة عن السابق تختلط فيها الأوراق الإقليمية واﻻستراتيجية وتنقلب راساً على عقب .
المرحلة المقبلة ساحةٌ لاستدراج العروض على وقع التدمير والقتل
قتل 7 قياديين إيرانيين من رتبٍ عسكرية عالية في الغارة الأخيرة على القنصلية الإيرانية في دمشق، ومن بينهم رئيس أركان الحرس الثوري العميد أمير الله لسوريا ولبنان، فضلاً عن قائد فيلق القدس والعمليات اﻻستخباراتية لسوريا ولبنان محمد رضى زائدي ليس بالأمر السهل والمُعتاد، بل هو علامةٌ حاسمةٌ وقاسمةٌ تدّل على استعداد إسرائيل لخوض أشرس حروبها في المنطقة وأعنفها، وقد خسرت ما خسرته حتى الآن من صورتها ومصداقيتها الدولية، وبالتالي لم يعد لديها شيء لتخسره ما يُتيحُ لها الذهاب حتى الى ضرب إيران إن احتاج الأمر الى ذلك، وما استهداف المبنى القنصلي الإيراني وقتل الضباط الإيرانيين الكبار سوى رسالة إسرائيلية واضحة مفادها أن ساعة المواجهة قد دقت … فهل تواجه طهران إسرائيل مباشرةً ؟ طبعاً لا، لأن لديها مَن يواجه عنها في المنطقة … ولأن لديها أهم ما تريد ضمانه : النظام في طهران واستمراره … ولذلك فإن المواجهات المقبلة ستتخلّلها صفقات واستدراج عروض على وقع الدماء والتدمير والقتل …
قرارُ طرد إيران من سوريا اتُخذ والتنفيذ على مراحل
منذ فترة كتبنا بأن قرار طرد إيران من سوريا قد اتُخذ، وها هو يُنفّذ فصولاً وعلى مراحل، فالإيراني عنيدٌ ليس لديه ما يخسره طالما أن جبهته الداخلية هادئة وتحت السيطرة، وهذا القرار أُرفق بقرارٍ آخر هو إنهاء سلاح حزب الله، فلن يبقى عندها أي أثرٍ للحرس الثوري الإيراني ولا لفيلق القدس ولا لميليشيات العراق …
طهران توقّعت قبل حصول “طوفان الأقصى” وصول القوات الأميركية الى المنطقة لطردها من سوريا بدءاً من دير الزور، فشغّلت حماس لشنّ هجومٍ على إسرائيل مستهدفةً أيضاً إفشال محادثات التطبيع التي كانت متقدّمة جداً آنذاك بين السعوديين والأميركيين والإسرائيليين …
سوريا ومعها المنطقة في عين العاصفة
إسرائيل جادةٌ جداً هذه المرة في ضرب الوجود الإيراني، فيما الولايات المتحدة لا تستطيع طرد الإيرانيين بل إسرائيل هي المكلّفة بإتمام هذه المهمة …
من هذا المنطلق، فإن مناطق النظام في سوريا هي في “عين العاصفة” إذ ستتحوّل وفق المعطيات الى مناطق حرب مشتعلة من البوكمال الى دمشق وريفها والى الساحل السوري فحلب من دون استثناء، عُرضةً للضربات الإسرائيلية المتواصلة حتى زوال الوجود الإيراني في سوريا نهائياً الى أن تتشكّل حكومة إنقاذ سورية في دمشق تطلب من الإيرانيين الخروج من سوريا للإفساح في المجال أمام بدء العملية السياسية، وقد سقطت نهائياً قدرة بشار الأسد على اتخاذ مثل هذا القرار الإنقاذي، وهو الجزء الداخلي من المشكلة التي دمّرت سوريا، وسيكون عُرضةً للمحاسبة والإدانة فور خروج إيران من سوريا، هذا إن بقي الإيراني يثقُ بالأسد ونظامه، من هنا يمكن القول إن العمليات العسكرية الإسرائيلية الى تصعيدٍ في سوريا ولبنان، وثمّة عمليات برّية متوقّعة لكنها رهن الأوامر والتعليمات،
فإسرائيل لم تبدأ بعد ضرباتها الموجِعة وما تم حتى الآن لا يتجاوز مجرد إنذارات لمَن يعنيهم الأمر أي الإيرانيين، ولذا فإن الضربات الإسرائيلية باتت موجّهة مباشرةً ضد الرؤوس الإيرانية المفكِّرة لأن التحدّي بات في أوجه، إذ أنه لا إيران ستترك وتتنازل سلمياً وهي ستحرقُ المنطقة وتقاتل حتى آخر أبناء ميليشياتها، ولا إسرائيل ستتراجع عن قرار إنهاء الوجود الإيراني في المنطقة عبر ميليشياتها وقواعدها وقياداتها العسكرية واﻻستخباراتية.
هذه هي المعادلة للأسابيع والأشهر المقبلة حتى تشرين الثاني المقبل، وربما كانون الأول أي آخر العام الحالي.