Search
Close this search box.

النظام الإيراني عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية

باتَ من الواضح أن الردَّ الذي سجّله حزب الله يوم الأحد الفائت على إسرائيل هو أقصى ما يمكن أن يقوم به الحزب، في ظلِّ معادلةٍ جديدة بين طهران والغرب، أطلقَ إشارتها المرشدُ الأعلى علي خامنئي منذ يومين، حين سمحَ لحكومة الرئيس مسعود بزشكيان باستئناف التفاوض مع “الشيطان الأكبر” الولايات المتحدة.

الضوءُ الأخضر الذي أصدره المرشدُ الأعلى بعدم الممانعة في التفاوض مع واشنطن، معطوفاً على عودة وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف الى السلطة كمستشارٍ للرئيس بزشكيان للشؤون الاستراتيجية، يشي بمرحلةٍ جديدةٍ بدأتها إيران في محاولة للاستفادة الضاغطة من الأشهر القليلة المتبقّية على ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن، من أجل انتزاع تسويةٍ أو صفقةّ ما توجّساً من عودة الرئيس السابق دونالد ترامب الى البيت الأبيض في تشرين الثاني المقبل إن فازَ في الانتخابات، وقد بلغَ الأمر بالمرشد الأعلى أن أوعزَ الى القيادات الإيرانية بإبلاغ واشنطن عزم طهران على تخفيف حدّة التوتر الإقليمي في الأشهر المتبقّية من حملة كمالا هاريس لمساعدة الديمقراطيين على التقدّم في الحملة، ومحاولة نزع ورقة ضاغطة يستخدمها المرشح دونالد ترامب .

باتَ معلوماً إذاً بأن النظام الإيراني يهمّه حكم الديمقراطيين لا الجمهوريين، وهو يتحسبُ لعودة ترامب، ما يعني عودة الحصار والعقوبات في الوقت الذي يحتاج فيه النظام للأموال وبالتالي لتحرير أرصدته في الخارج، وما محاولته العودة الى الاتفاق النووي إلا للتمكّن من الاستحصال على أرصدته وأمواله المجمّدة في الخارج بقرارٍ أميركي.

 في المقابل، لا شيء يشي بأنه، وإن عادَ الديمقراطيون الى البيت الأبيض، وبعد الذي حصلَ في الشرق الأوسط منذ السابع من تشرين الأول الماضي، سوف يعودون أي الديمقراطيين كما كانوا في العامين 2014 و 2015، خصوصاً وأن توازن القوى هذه المرة ليس نفس التوازن الذي كان قائماً أنذاك، ففي العامين 2014 و2015 كانت منطقة الشرق الأوسط غارقةً في حروبٍ أهلية و”ربيعٍ عربي” متصارعٍ مع الأنظمة والشعوب، في ظلّ دعمٍ أميركي لطهران، وجنوح أميركي لإضعاف المنطقة العربية ومحاصرة الخليج وعزله، بينما اليوم المشهدُ مختلفٌ مع وجود إسرائيل في حالة حرب مفتوحة في فلسطين بدعم أميركي وأطلسي وغربي عسكري غير مسبوق، وحشدٍ للأساطيل والقطع البحرية الحربية والمدمِّرات والمقاتلات المتطوّرة والتكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية والجوية الهائلة، وفي ظلِّ قرارٍ أميركي بعدم السماح للروس والصينيين التدخّل في الأزمة الإقليمية، من بحر الخليج الى شرق البحر الأبيض المتوسط، مروراً بمضيق هرمز وبباب المندب والبحر الأحمر .

من هنا، يبدو أن طهران التي كانت تهدّدُ وتزبدُ وترعدُ بالانتقام لإسماعيل هنية، باتت لها أولويات أخرى بعد تأكدها من جدّية التهديد الأطلسي الجاسم على أبوابها إن هي تجرأت واعتدت على إسرائيل، وبعد إدراكها بأن الواقعية السياسية التي لطالما امتاز بها النظام الإيراني تسمحُ بتأجيل الردّ الى ما شاء الله، في مقابل محاولة الاستفادة من الظروف الدولية والإقليمية السانحة خصوصاً بعدما اتفقت إسرائيل مع حزب الله على وقف العمليات الكبرى إثر الردّ الانتقامي للحزب يوم الأحد 25 آب الفائت، والاكتفاء بما تحقّق ودعوة الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله اللبنانيين الى العودة الى حياتهم الطبيعية لفترة طويلة.

كلامنا هذا لا يعني تنازل إيران عن حقها بالردّ على اغتيال هنية، إلا أنه من الممكن أن تجد في التفاوض مع الأميركيين والغرب في حال استئناف التفاوض، ما تبادله في مقابل ما يمكن أن يُعطى لها، وقد يكون الردّ على إسرائيل جزءاً من التنازلات التي قد تطلبها واشنطن حمايةً لإسرائيل.

من هنا، فإننا نعتقدُ بأن النظام الإيراني قلقٌ من “العسكرة الإقليمية والدولية” على بابه، الأمر الذي يلزمه بإعادة حساباته وانتهاج الديبلوماسية في هذه المرحلة لا سيما وأن لدى القيادة الإيرانية قلقٌ شديدٌ من توحّدِ الرؤية الديمقراطية والجمهورية حيال المنطقة أي ضدها، سواء وصلت كمالا هاريس الى البيت الأبيض أو الرئيس السابق دونالد ترامب، خصوصاً وأن الرئيس بايدن الذي بدأ ولايته باستكمال نهج الرئيس باراك أوباما المنفتِح والمفاوِض مع النظام الإيراني، سرعان ما أنهاه على الطريقة الجمهورية بإرساله الأساطيل و40 ألف جندي الى المنطقة لتهديد إيران ووكلائها.

اذاً إنها باعتقادنا مرحلةُ الحسابات في المنطقة، والمُلاحظ كيف أن ميليشيات إيران في العراق “ساكنة”، وكذلك تراجع عمليات الحوثيين في اليمن، فيما سوريا في كوكبٍ آخر تماماً هذه المرة بفعل التقاطعات الأميركية- الروسية- الإيرانية- التركية- الكردية- العربية هناك، والتي قد تؤدي الى انفجار للوضع الداخلي السوري المضغوط.

 تبقى الإشارة الى أنه، من أدوات الشغل الإيراني التصعيد للضغط على الأميركيين، لكن التصعيد مدروسٌ ومضبوطٌ حدّه الأعلى، أي عدم الوصول الى حدّ قلب النظام الإيراني لا سيما وأن واشنطن أفهمته بأنها بحاجة اليه لشرق آسيا، وبالتالي قد تكون مغريات هذه المهمة كفيلة مع سواها في تغيير موقف إيران وتهدئتها.

إذا كان النظام الإيراني يريدُ التصعيد، فإمامه شهران من الآن للقيام بهذا التصعيد بغية استباق الانتخابات الأميركية ونتائجها وضمان مكتسباتها حيال أيٍ من المرشحين، ولها في ذلك شريكٌ آخر هو أوروبا التي تتقاسمُ مع النظام الإيراني التوجّس والقلق من المرشّح دونالد ترامب الذي يريد، إن عاد الى البيت الأبيض، تحميل الأوروبيين مسؤولية الإنفاق على الناتو، والاتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على حلّ المسألة الأوكرانية، طبعاً ربما على حساب القارة العجوز.

من هنا، لن يكون مستغرباً في هذه المرحلة أن يعملَ النظامُ الإيراني على استرضاء الأوروبيين وتقريبهم منه لأحداث نوعٍ من الشرخ بينهم وبين الأميركيين، ما قد ينعكسُ إحجاماُ أوروبياً عن إدراج الحرس الثوري الإيراني على لوائح الإرهاب .

الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان الإصلاحي سيستخدمه المرشدُ الأعلى ك”جواز سفر” للتقرّب من الغرب، وقد مشى الأخير على خطى المرشد الأعلى والى جانبه محمد جواد ظريف لتجميل المواقف الإيرانية ولو لم يكن ذلك كافياً.

هذه هي المشهدية المفترضَة للنظام الإيراني عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، عينٌ على الانتخابات وكيفية تجنيب نفسه تداعياتها السلبية، وعينٌ على ضرورة استرداد الأرصدة المصادَرة، وعينٌ على الداخل الإيراني في ظلّ معطياتٍ بعودة قريبة للاحتجاجات ضد النظام بدعمّ وتأجيجّ من معارضة الخارج … ووسط كل هذا … أين ومتى سيكون هناك انتقامٌ إيراني لاغتيال هنية؟ وهل ثمّة انتقامٌ بعد اليوم …؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: