الورقة الدرزية في صلب المواجهة الجيو سياسية السورية الإسرائيلية 

1081284-1884565657

كتب جورج أبو صعب : ما حصل ولا يزال يحصل في الجنوب السوري وريف دمشق بعد أحداث جرمانا وتداعياتها خلال الأيام القليلة الماضية يُعدُّ وجهاً من أوجه التدخّل الإسرائيلي المباشر في المعادلة السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد.

إسرائيل لم تتوغل فقط عسكرياً جنوب سوريا وصولاً إلى أبواب ريف دمشق، بل أيضاً توغّلت سياسياً من خلال القيادة الدرزية في إسرائيل التي يتزعمها الشيخ موفق طريف والذي يعمل على انتزاع الزعامة التقليدية للدروز من يدي الوزير وليد بك جنبلاط.

مواقف طريف فرزت الدروز إلى قسمين : قسم عروبي يعتبرُ الدروز جزءً لا يتجزأ من النسيج الدرزي وعلى رأسه الوزير جنبلاط، وقسم من دروز سوريا في السويداء والقنيطرة وقسم آخر يتماهى مع الخط الدرزي الإسرائيلي وعلى رأسه بطبيعة الحال الشيخ طريف وبعض المشايخ في سوريا الذين يتلقّون الدعم منه.

الغريب في هذا السياق، تماهي الوزير السابق وئام وهاب مع القسم الثاني الوارد أعلاه بحجة تحريم ما يسميه سحق كل مَن يقترب من جرمانا، غامزاً من قناة السلطة السورية الجديدة وعلى رأسها الرئيس أحمد الشرع مهدّداً النظام السوري الجديد بعواقب وخيمة. فهذا الموقف يشجع إلى حدٍّ كبير النزعة الانفصالية لدى فئة من الدروز المدعومين من الشيخ طريف وإسرائيل، ويؤسس لتدخّلٍ إسرائيلي أكبر في سوريا من بوابة هذا الانقسام الدرزي.

ما جرى ويجري في الجنوب السوري وبغض النظر عن حوادث جرمانا هو دليل إضافي على أن المنطقة، وفي طليعتها سوريا، أمام مشروعين لا ثالث لهما: مشروع السلام ومشروع التقسيم، فمن الناحية الجيو سياسية إيران التي خسرت ٣ دول محورية (فلسطين ولبنان وسوريا) يناسبها تقسيم تلك الدول للبقاء على شيء من سيطرتها، وإسرائيل التي يهمها إضعاف الدول المجاورة لها والمأخوذة بفائض القوة العسكرية والانتصارات لا سيما بعد ضربها “حماس” و”حزب الله” وسقوط نظام الأسد يناسبها تحت شعار الحفاظ على الأقليات وحمايتها، وبخاصة دروز سوريا تأجيج الصراعات والانقسامات تمهيداً لتبرير تدخّلها وتوغّلاتها المتزايدة في الأراضي السورية على خلفية سقوط اتفاقيات فكّ الاشتباك للعام ١٩٧٤ بعد سقوط الأسد والحاجة لأن تحمي إسرائيل أمنها من خلال ضمان السيطرة الكاملة على المنطقة العازلة والمواقع الاستراتيجية القريبة من حدودها مع سوريا، وكل الظنّ أن يكون هذه المرة ثمن انسحابها من الأراضي السورية ليس توقيع اتفاقيات فكّ اشتباك بل اتفاقيات سلام أو أقله تطبيع مع دمشق.

في هذا السياق، تجدرُ الإشارة إلى المواقف المتزامنة مؤخراً مع ما يحدث في سوريا للمبعوث الرئاسي الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف الذي لم يرَ مانعاً من توقيع اتفاقيات سلام بين إسرائيل وسوريا ولبنان، مشيراً إلى ما أسماه “تغييرات عميقة ” يجب أن تمهّد لذلك.

الفوضى في سوريا طريق إلى التقسيم، وإسرائيل وإيران يناسبهما ذلك حالياً كل حسب حساباته ومصالحه، من هنا نخشى ما نخشاه أن يصل الوضع السوري ومعه لاحقاً الوضع اللبناني إلى خيارٍ صعب بين التطبيع أو التقسيم لأن تقسيم سوريا سيجرُّ لا محالة إلى تقسيم لبنان ولو بأشكال غير تقليدية، وبالتالي فشل التطبيع قد يصبح ثمنه باهظاً كما أن فشل التقسيم قد، ونقول قد، يؤدي إلى تسريع التوجّه نحو التطبيع.

والمفارقة في كل هذه المعادلة وفضلاً عن وحدة المسارَين اللبناني والسوري باتجاه استعادة الدولة والكيان والسلطة وحكم القانون التناغم إلى حدّ التطابق في أولويات القيادتين الجديدتين في سوريا كما في لبنان، وأولى تلك الأولويات سحب سلاح إيران في لبنان المتجسّد من خلال حزب الله وترسانته والمناهض لسلطة بيروت، وسحب سلاح إسرائيل في سوريا المتجسّد بالميليشيات الدرزية المسلحة المناهضة لسلطة دمشق.

كما أن المفارقة في سوريا أن الأقلية العلوية التي حكمت سوريا لأكثر من نيف وخمسين عاماً كان حكمها مستّتباً لجهة غياب المشاريع الانفصالية من قبل أي أقليات أخرى إما بدافع قوة القمع بالدم والنار وإما بدافع من ركون الأقليات لحكم أقلوي كان يحتاج اليهم في مواجهة الأكثرية السنّية، وقد انسحب فكر تحالف الأقليات في فترة من الفترات على الداخل اللبناني، وفي طليعة الذين عملوا عليه الرئيس ميشال عون وفريقه قبل وأثناء الرئاسة، ما برّرَ لهم ربما توجههم لدعم المقاومة الشيعية ولتوطيد العلاقات مع بشار الأسد.

بالعودة إلى الملف الدرزي في سوريا، من الواضح والجلي أن المعادلة جنوب سوريا باتت خطيرة وخطيرة جداً والوزير السابق وليد جنبلاط على ما يبدو يحاول بكل ما أوتي من قوة قطع الطريق أمام “تصهين” دروز الجنوب من خلال تأكيده على مرجعية دمشق وسلطة دمشق، لكن هل يفلح في ظل انقسام درزي واضح قد تكون له تداعياته على الداخل اللبناني والتوازنات الهشة في التركيبة اللبنانية؟

المشهد في سوريا أمام خلط أوراق جذري وفي صلب تقلبات جيو سياسية إقليمية عاتية وجارفة، والدروز ربما للمرة الأولى منذ عقود طويلة بين يجدون أنفسهم بين مطرقة الخط العربي الإسلامي التوحيدي وسندان الخط الاسرائيلي التقسيمي، فيما يبدو من مشهد القمة العربية الأخيرة في القاهرة أن ثمة دعم وتأييد واعتراف عربي جامع وراء الرئيس أحمد الشرع الأمر الذي يفرز المواقع والمواقف الإقليمية بين المشروعَين اللذين أشرنا اليهما أعلاه.

لكن ماذا لو كان بالإمكان بتوفر النوايا الصادقة إقامة حوار سياسي هادئ بين قسم من دروز سوريا المناهض لحكم دمشق والرئيس الشرع يتم من خلاله التصدي للهواجس التي قد تكون مشروعة وراغبة في إيجاد إجابات وضمانات حولها لديهم؟ 

صحيح أن المطلوب توطيد الأمن وسلطة الدولة على كامل التراب السوري، لكن هل بإمكان السلطة الشرعية في سوريا التي لا تزال تواجه التحدي الكردي شمال شرق الفرات والتي لا تزال تواجه تحدي توطيد الأمن والنظام في مناطق الساحل السوري وسواها من تحديات أمنية سياسية اقتصادية معيشية إعمارية أن تراكم على نفسها تحدٍ جديد وخطير كالتحدي الإسرائيلي – الدرزي في الجنوب وريف دمشق؟

المخيف أن دعوات إسرائيل تلاقي أذاناً صاغية لدى بعض الدروز ولا سيما الدعوة لإقامة مناطق أمنية عازلة وحكم ذاتي درزي في الجنوب السوري في ظل أزمة ثقة عميقة يعيشها قسم من الدروز بالحكم الإسلامي السني الجديد في دمشق، فيما الأكثرية السنّية ترى في عودة الحكم السنّي حقاً مشروعاً تاريخياً تم استرداده؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: