في زمنٍ يتسارع فيه تطوّر الذكاء الاصطناعي ليُعيد تشكيل ملامح الاقتصاد والمجتمع حول العالم، استضافت بيروت مؤتمرًا هو الأول من نوعه في لبنان على هذا المستوى. مؤتمر "AI in Lebanon" جمع شخصيات سياسية بارزة وخبراء في الذكاء الاصطناعي من الداخل والخارج، في خطوة تؤكّد أن لبنان، رغم أزماته، لا يزال قادرًا على مواكبة المستقبل وفتح أبواب التقدّم.
شكّل المؤتمر منصة حوار فعّالة وناجحة، ناقش فيها المشاركون إمكانات الذكاء الاصطناعي في دعم التنمية المستدامة وإعادة بناء الدولة، وطرحوا رؤى طموحة لتوظيف التكنولوجيا في خدمة الإنسان والمجتمع.
حضر المؤتمر عدد من الوزراء، من بينهم وزير المهجرين ووزير الدولة لشؤون التكنولوجيا كمال شحادة، راعي المؤتمر، وزيرة التربية والتعليم العالي ريما كرامي، ووزيرة السياحة لورا الخازن لحود. كما شاركت فيه كل من الوزيرة السابقة مي شدياق، الوزيرة السابقة منال عبد الصمد، والنائبان وضاح الصادق وبهية الحريري.
المؤتمر، الذي جاء بمبادرة من الدكتور حكمت البعيني، مثّل خطوة نوعية أدخلت لبنان إلى قلب المشهد التكنولوجي العالمي، وساندت الجهود التي يبذلها الوزير كمال شحادة منذ تسلّمه مهامه، بهدف إحداث نقلة نوعية في مجال التكنولوجيا والتحوّل الرقمي.
وخلال كلمته الافتتاحية، أكد البعيني أن المبادرة انطلقت "من دون أي موارد مالية"، وبفضل تنسيق مشترك مع شخصيات وازنة من بينها الدكتورة ديما جمالي، والوزيرة منال عبد الصمد، وغيرهم، وبدعم مباشر من الوزير شحادة.
كما تميّز المؤتمر بحضور شخصيتين فريدتين خطفتا الأنظار: "الروبوت الإنسان" و"الروبوت الكلب"، اللذين تجوّلا بين الحاضرين وتفاعلا معهم، حيث قاما بإلقاء التحية وتوزيع القبلات في مشهد لافت يجسّد تداخل التكنولوجيا مع الحياة اليومية.
وعلى هامش المؤتمر، تحدّث الوزير كمال شحادة في تصريح خاص لموقع LebTalks، قائلاً: "المؤتمر اليوم يُعقد في بيروت، لكنه لن يقتصر على العاصمة، بل سينتقل لاحقًا إلى مناطق أخرى وعدد من كبرى المدن اللبنانية. وتكمن أهميته في قدرته على حمل العلم والمعرفة إلى مختلف أنحاء الوطن، من خلال نقل المعلومات ونشر الوعي بين الناس حول الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في دعم مسار التطوّر والنهوض بالبلاد نحو مستقبل أكثر تقدّمًا."
من جانبه، قال الدكتور حكمت البعيني لموقعنا: "المؤتمر يؤمن بمبدأ اللامركزية الموسّعة، ويهدف إلى الوصول إلى مختلف المناطق اللبنانية لرفع الوعي العام حول الذكاء الاصطناعي. نؤمن بالتكنولوجيا التي تساهم في تحسين حياتنا اليومية، واستخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة إنسانية وأخلاقية سيكون خطوة مهمة وواعدة."
بدوره، أشار النائب وضاح الصادق في حديثه لـ LebTalks إلى أن "لمجلس النواب دورًا أساسيًا في ما يتعلّق بالتشريعات، وأي تطوّر في مجال التكنولوجيا لا يمكن أن يتحقّق من دون قوانين صادرة عنه. واليوم، بات لدينا وزير دولة للتكنولوجيا والمهجّرين، ونأمل، كمجلس نواب، أن نتمكّن من إنشاء وزارة مستقلة تُعنى بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي".
أضاف: "المجلس النيابي نفسه بحاجة إلى تحديث، ونسعى لطرح هذه الفكرة لمواكبة التطوّر، لكننا لا نلقى تجاوبًا كافيًا، إذ إن النظام الداخلي للمجلس يعود إلى أكثر من 25 سنة".
أما وزيرة التربية والتعليم العالي ريما كرامي، فقالت في تصريح خاص لـLebTalks: "للمؤتمر رمزية خاصة، كونه يُعقد في لبنان في مرحلة دقيقة يسعى فيها العهد إلى إعادة النهوض بالبلد على مختلف المستويات. وقد بات الذكاء الاصطناعي اليوم على رادار وزارة التربية، وهو حاضر في النقاشات الدائرة حول تحديث وتطوير المناهج التعليمية الجديدة. نحن في أمسّ الحاجة إلى إعادة التفكير في دورنا كوزارة ومجتمع تربوي، من أجل استثمار هذا المورد التكنولوجي الجديد بالشكل الأمثل، والاستفادة من هذا التطوّر بما يخدم أجيال المستقبل".
من جهتها، صرّحت الدكتورة ديما جمالي لموقعنا قائلة: "المؤتمر يُعدّ خطوة مهمّة نحو التقدّم في مجال الذكاء الاصطناعي في لبنان، كما يسهم في تعزيز الوعي المجتمعي بهذا المجال. نحن بحاجة إلى استراتيجية وطنية يُشارك في صياغتها كل من القطاعين العام والخاص، وتقوم على مبدأ المساواة، بهدف الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من اللبنانيين، بما في ذلك المناطق النائية، وهذا الهدف قابل للتحقّق إذا توفّرت الإرادة السياسية والوطنية اللازمة".
بدورها، قالت الوزيرة مي شدياق لموقعنا: "لبنان يسير على الطريق الصحيح، ونحن نؤمن بقدرات الوزير شحادة في تطوير مفهوم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في البلاد، وبصفتي شخصًا يتواصل بشكل مباشر مع جيل الشباب من خلال عملي، أرى أن للتكنولوجيا مستقبلًا واعداً جداً في لبنان. ومع ذلك، علينا أن نعمل جاهدين على تصدير المعرفة والعلم إلى الخارج، بدلاً من تصدير العقول التي نحتاجها لبناء أسس وطن متطور ومستدام".
أما وزيرة السياحة لورا الخازن لحود فشددت، في حديثها للموقع، على أهمية المؤتمر، قائلة: "الذكاء الاصطناعي هو أداة فعّالة تساهم في تسهيل العمل وتحسين أدائه، ويُعدّ تنظيم مثل هذه المؤتمرات في لبنان خطوة في غاية الأهمية، لأنها تعزّز ثقافة الابتكار وتفتح المجال أمام استخدام التكنولوجيا في مختلف القطاعات. نحن اليوم نتعاون بشكل وثيق مع وزارة التكنولوجيا لتطوير منصّة رقمية خاصة بقطاع السياحة، تهدف إلى تقديم دليل شامل لأبرز المعالم السياحية في لبنان، ما من شأنه أن يُسهم في تنشيط هذا القطاع الحيوي وتعريف الزوار بجمال وتنوّع مناطقنا".
لقد شكّل مؤتمر "AI in Lebanon" محطة مفصلية في مسار إدماج لبنان في عالم الذكاء الاصطناعي، ليس فقط من حيث مضمونه العلمي والتقني، بل من حيث الرمزية التي حملها تنظيمه في بلد يواجه أزمات متعدّدة. وقد أظهر الحدث أن الإرادة الفردية، حين تتلاقى مع الرؤية والعمل الدؤوب، قادرة على تجاوز العقبات وتحقيق إنجازات تُعيد الأمل وتفتح آفاقًا جديدة.
في هذا السياق، لا يمكن إغفال الدور المحوري الذي لعبه الدكتور حكمت البعيني، الذي أثبت أنّ الأفكار الريادية لا تنتظر التمويل أو الظروف المثالية لتولد، بل تحتاج إلى من يؤمن بها ويسعى لتحقيقها رغم التحديات. فبفضل مبادرته، وتعاونه مع شخصيات مؤمنة بقدرة لبنان على التقدّم، تحوّل المؤتمر إلى نموذج يُحتذى به في كيفية تحويل المبادرات الفردية إلى مشاريع وطنية ذات بُعد استراتيجي.