بارود لبنان ينتظر شرارة: حين تعود ظلال "هوكشتاين" على إيقاع التصعيد

leb gharat

بينما لا يزال المبعوث الأميركي توماس براك يجول بين مقار المسؤولين اللبنانيين تحت عنوان "ضبط النفس ومنع الانفجار"، تتزايد القناعة لدى دوائر القرار في بيروت بأن زيارته هذه، على غرار زيارات سلفه "آموس هوكشتاين"، لن تكون إلا مقدمة لمرحلة أكثر سخونة، لا هدنة قريبة فيها ولا مبادرات ناجزة.

فالمشهد يذكّر تماماً بصيف العام الماضي، حين كان هوكشتاين يتنقل بين بيروت وتل أبيب حاملاً رسائل تطمين، سرعان ما تبخرت مع أول رشقة صاروخية على الحدود، لتنفجر بعدها الجبهة على إيقاع حرب مفتوحة لم تُخمد جذوتها حتى اليوم.

ما يجعل زيارة براك أكثر إثارة للقلق أنها تأتي في لحظة فقدت فيها المنطقة كل خطوط التهدئة، وتلاشت فيها هوامش الوساطة الفعلية. فإسرائيل تواصل غاراتها اليومية على الجنوب، وسوريا تشهد اشتباكات متفرقة قد تتطور، وإيران لم تزل في حالة استنفار سياسي وعسكري، فيما لبنان يغرق أكثر في أزماته المالية والسياسية، من دون أي غطاء دولي واضح.

دبلوماسي لبناني رفيع، تحدث لموقع "LebTalks"، كشف أن المبعوث الأميركي "لم يحمل أي مبادرة متكاملة، بل يختبر الأجواء ويهيئ الأرض لمرحلة ما بعد الانفجار المحتمل"، وفق تعبيره. وأضاف أن "واشنطن لم تعد ترى في الجنوب اللبناني أولوية أمنية، بل ملفاً تكتيكياً ضمن حسابات الردع الشامل في الإقليم".

وفي هذا السياق، قال المصدر إن براك لمح في لقاءات مغلقة إلى أن "إعادة ترتيب الوضع الحدودي" قد لا تحدث إلا بعد جولة من التصعيد، يمكن ضبط سقفها، لكنها ستكون ضرورية لفرض "تسوية جديدة أكثر ديمومة"، في إشارة إلى تعديل قواعد الاشتباك الميداني لا مجرد تثبيت وقف إطلاق النار.

هذا الطرح، وإن بدا وكأنه جزء من "إدارة الأزمة"، يعبّر فعلياً عن عجز دبلوماسي متجذر، خصوصاً أن الجانب الأميركي لم يُبدِ أي استعداد للضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها اليومية أو التوقف عن تجاوز القرار 1701. وفي المقابل، لا يظهر أن "حزب الله" في وارد التراجع أو فتح قناة تفاوض مباشرة، خصوصاً بعد التطورات الميدانية الأخيرة في غزة وسوريا.

أما الحكومة اللبنانية برئاسة القاضي نواف سلام، ورغم كونها دستوريًا فاعلة، إلا أنها تتحرك ضمن هوامش ضيقة فرضتها التوازنات الداخلية وتعقيدات الملف الإقليمي. فحتى الساعة، لم تظهر مؤشرات إلى قدرة الحكومة على انتزاع موقف موحد من ملف الجنوب، أو فرض خط سياسي متماسك في التعامل مع التصعيد، ما يجعل بياناتها لا تتجاوز سقف "الإدانة الدبلوماسية" أو الدعوة إلى التهدئة، بلا أوراق ضغط حقيقية.

في النتيجة، لا يبدو أن زيارة براك ستُفضي إلى اختراق حقيقي. بل ربما تُسجل كـ"جولة أخيرة ما قبل العاصفة"، حيث تغيب الضمانات، ويُترك الميدان مفتوحاً، وتُستعاد لحظات ما قبل الانفجار، كما حصل مع هوكشتاين.

وهكذا، يعود السؤال الأهم إلى الواجهة: هل ما نشهده هو تصعيد للردع؟ أم تسخين تمهيدي لانفجار لا يشبه ما قبله؟

المنطقة بأكملها تتهيأ.. ولبنان على فوهة بركان، ينتظر فقط الشرارة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: