بالأرقام: حُلم الشباب خارج الحدود

hejra

"الغربة ما أخدت لبنان منّي، بالعكس، خلّتني حبّه أكتر".

فيكتوريا يزبك، ابنة البترون، غادرت لبنان عام 2017 وهي في الحادية والعشرين من عمرها. درست الهندسة الكيميائيّة وسافرت إلى فرنسا لإكمال الماجستير. وَجَع السنوات التسع، اختصرته فيكتوريا، لموقع "LebTalks"، بهذه العبارة: "ما بشجّع الشباب يفلّوا من لبنان، بشجّع رجال الدولة يحبّوا لبنان قد ما شعبه بحبّه".

من شمال فرنسا تبدأ قصّة..

الأغراض موَضّبة والحقائب مصطفّة على الباب، كلّ شيء جاهز. فيكتوريا تُخطّط للعودة إلى لبنان. تُفكّر في بيتها، وفي رائحة الوطن التي لا تغيب. أمّا في لبنان، فالأهل ينتظرونها بحرقة. يفتقدون ابتسامتها. يأملون أن تعود إلى أحضانهم، أن يعانقوها بعد ستة أشهر من التدريب، يخشون أن تسرقها الغربة.

كان حُلم فيكتوريا أن تعود إلى وطنها، أن تعمل في لبنان أو تؤسّس مشروعها الخاصّ. لكن هذا الحلم بدا شبه مستحيل، مستحيلاً في لبنان، لا في الخارج، لأن في فرنسا، هناك من يدعم، ويُقدّر، ويُساعد. أمّا في لبنان، فالأبواب مغلقة، والفرص نادرة. وهذا كان السبب الرئيسيّ لعدم عودتها إلى وطنها.

من رائحة المنقوشة.. إلى حنين الوطن

افتتحت فيكتوريا مطعم "Becky’s Street Food Libanais"، لتحيي روح لبنان في فرنسا، من خلال أجوائه وأطباقه اللبنانيّة الأصيلة. فبين منقوشة وأخرى تخرج من الفرن، تروي لك قصّةً عن لبنان. عن السهرات الصيفيّة حتى ساعات الفجر، عن الـ"أهلا وسهلا" التي تسمعها أينما سرت في أحياء مدينتها الساحليّة. تتحدّث عن كلّ جميل، بحنين غالباً ما يسقط دموعاً من عينيها البنيّتين. نسيَت فيكتوريا فوضى السير، والأزمات المتراكمة في البلاد، وانقطاع الكهرباء والمياه. لبنان بالنسبة إليها، كما رائحة المنقوشة، يدخل الى أحشائك.

ومع ذلك، على الرغم من الأمان الذي عاشته في فرنسا، تؤكّد فيكتوريا أنّ الغربة تمنح الإنسان فرصة للحلم: هناك نظام واحترام ودعم ماليّ، لكنّ القلب يبقى غريباً. فالفراغ يرافقك مهما نجحت، بينما لبنان، على الرغم من قسوة الحياة، يمنحك دفئاً، تستيقظ على رائحة القهوة التي تُعدّها أمّك، تسمع صوت الجار يلقي التحيّة من الشرفة، وضحكات الأقارب حول مائدة الغداء، وتشعر أنّك تنتمي، مهما تعبت.

موجة الهجرة مستمرّة

يواجه الشباب تحدّياتٍ قاسية في سوق العمل، إذ بات إيجاد وظيفة لائقة أشبه بالمستحيل. ففرص العمل محدودة، والرواتب لا تتناسب مع غلاء المعيشة، فيما يغيب الدعم الحقيقيّ للشباب.

وبحسب الدراسات، يشكل الطلاب الجامعيّون نحو 47% من الذين سافروا أو هاجروا إذ يصل عددهم إلى 560 ألف طالب جامعيّ، وفق مجلّة "الدوليّة للمعلومات"، عام 2019.

وبين عامَي 2020 و2022 بلغ عدد المهاجرين نحو 156 ألف شخص، أكثر من 65% منهم من العمّال الذين كانوا سينضمّون إلى صفوف العاطلين عن العمل لولا توفّر فرص السفر والهجرة.

كما توزّعت وجهات المسافرين على دول ومناطق عدة، وكان العدد الأكبر إلى الدول العربيّة، تلتها دول أميركا الشماليّة من ثمّ دول الأوروبيّة، بحسب إحصاءات المجلّة نفسها.

واليوم، بحسب دراسة محليّة غير رسميّة حصل عليها موقع LebTalks لعد توفّر إحصاءات رسمية، يُخطّط نحو 44% من الشباب للهجرة، لا حبًّا بالغربة، بل هرباً من واقعٍ خانق لم يترك لهم خيارًا.

قصّة فيكتوريا تعكس واقع كلّ شابّ لبنانيّ حلم بالنجاح واضطرّ إلى مغادرة وطنه، فأزمة هجرة الأدمغة لم تعُد خبرًا عابرًا، بل واقعًا يوميًّا. الشابّ اللبناني، حين يفتح عينيه ليخطّ ملامح مستقبله، يصطدم بواقعٍ لا يرحم. أحلامه تصطدم بجدرانٍ عالية: لا مدّخرات، لا دعم، ولا ثقة مصرفيّة. لا عمل يليق بتعَب السنوات، ولا فرصة تفتح له الباب. فالمصارف التي كانت تموّل الطموحات أغلقت نوافذها، والوطن الذي ربّاه على الأمل، صار يعلّمه الصبر والانتظار. يتخرّج الشابّ حاملاً شهادته بين يديه، يطرق الأبواب فلا يسمع سوى الصمت، فيبقى حلمه معلّقًا بين وطنٍ أحبّه، وغربةٍ لا تشبهه، لكنّها تؤمّن له حياة.

من هنا، يصبح من الضروريّ دعم الشباب، وتشجيعهم، وتمويلهم، ليتمكّنوا من تحقيق أحلامهم في وطنهم، لا في الغربة.

وفي هذا السياق، يُواصل موقع "LebTalks" متابعة القضايا الاجتماعيّة التي تُسلّط الضوء على الأبعاد الإنسانيّة للأزمات في لبنان.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: