أمضوا حياتهم في العمل والعطاء، ربّوا أجيالاً وعلّموهم، وحموا الوطن بدمهم، ومع ذلك يجدون أنفسَهم اليوم مضطرّين للعمل في وظائف "لا تليق بهم" مثل "valet parking"، و"security" لتأمين لقمة العيش.
في مقدّمتهم موظّفو الدولة؛ من الأساتذة المتقاعدين إلى العسكريين المتقاعدين وسواهم، الذين أفنوا أعمارهم في خدمة المجتمع. ومع ذلك، حُرموا من تعويضاتهم ومعاشاتهم التقاعديّة، مواجهين الشيخوخة بجيوب فارغة، بعدما أطاحت أزمة الليرة وانهيار المصارف بالبلاد وبحياتهم.
الإحصاءات وحدها تكفي لتختصر المأساة: نحو 80% من كبار السنّ في لبنان بلا معاشٍ تقاعديّ ولا تغطية صحّيّة، يصارعون حقوقهم، فيما تُسحق كرامتهم.
الإحصاءات الديموغرافيّة وعدد المتقاعدين
يُقدَّر عدد المتقاعدين في القطاع العامّ بين 110 و125 ألفًا، ويُشّكل العسكريون منهم الشريحة الأكبر، بما يُقارب 70 إلى 90 ألفًا، فيما يُقدَّر عدد الأساتذة المتقاعدين بنحو 20 إلى 25 ألفاً، بحسب الإحصاءات.
ووفق بيانات الأمم المتحدة، بلغت نسبة اللبنانيين الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أكثر من 9.82% من إجمالي السكان عام 2023، في حين تُقدّر بعض الإحصاءات عدد الأشخاص فوق 64 عامًا بحوالي 851,258 شخصًا، أي نحو 15% من السكان، ما يعكس اختلاف طرق حساب الفئة العمريّة. ومن المتوقّع أن تصل نسبة كبار السن إلى 23.3% من إجمالي السكان بحلول عام 2050، في ظل انخفاض معدّلات الولادة وارتفاع متوسّط العمر المتوقع وهجرة الشباب إلى الخارج.
العمل بعد سن التقاعد
تشير الإحصاءات إلى أنّ 41% من الرجال بين 65 و69 عامًا و29% من الرجال بين 70 و75 عامًا لا يزالون يعملون، وهي من بين النسب الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفق تقرير مشترك صادر عن منظمة العمل الدوليّة ومنظمة "هيلب إيج" لعام 2022، ما يعكس الضغوط الاقتصاديّة والاجتماعيّة على كبار السن في غياب شبكة أمان اجتماعيّ كافية.
الحماية الاجتماعيّة وضرورة معاش شيخوخة
بحسب تقرير "المؤسسة الدوليّة لكبار السن" ومنظّمة العمل الدوليّة عام 2022، يُعدّ لبنان من أضعف البلدان في المنطقة في تأمين الحماية الاجتماعيّة لكبار السن، وبات ضروريًا اعتماد معاش شيخوخة يضمن حدًّا أدنى من الدخل ويُؤمّن لهم عيشًا كريمًا.
وفي كانون الثاني من هذا العام، أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لغرب آسيا (الإسكوا) الاستراتيجيّة الوطنيّة لكبار السن (2020–2030)، إلّا أنّ الموادّ المنشورة عنها لا تتضمن إحصاءات تفصيليّة مشابهة لتلك المذكورة. كما توجد بعض المبادرات الخيريّة المحلّيّة لدعم كبار السن لكنها تغطي جزءًا محدودًا فقط من الاحتياجات.
كبار السن عاشوا بكرامة، واجتهدوا ليعتمدوا على أنفسهم في شيخوختهم، فوضعوا أموالهم في المصارف والبنوك معتقدين أنها "مؤمَّنة".. والآن، بعدما ضاع رزقهم، أين يجدون من يحميهم؟ وإذا "جمّعوا" بعد الأزمة القليل من المال واستطاعوا أن يضعوا جزءًا صغيرًا للسنوات المقبلة.. فأين يضعونه؟ هل من ثقة؟