بالشواهد – رد إيران “المنتظر” على تدمير منشآتها “مختصر”

IRANNN

“اتصلوا بنا وقالوا: ليس لدينا خيار، علينا أن نضربكم لحفظ ماء الوجه!! (بعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني)… وأنا فهمت ذلك، لقد ضربناهم، وعليهم أن يفعلوا شيئًا، وقالوا: سنقوم بإطلاق 18 صاروخًا على قاعدة عسكرية معينة لديكم، لكن لا تقلقوا، لن تصل الصواريخ إلى القاعدة… هل تتذكرون تلك الليلة؟ كنت الوحيد الذي لم يكن متوترًا لأنني كنت أعرف ما سيحدث. خمسة من الصواريخ التي أطلقتها إيران حلّقت فوق القاعدة، وباقي الصواريخ انفجرت خارج منطقة القاعدة. لم أتكلم عن هذه القصة من قبل، وتحدثت بها الآن لتعرفوا الاحترام لأمتنا وبلدنا”، الرئيس السابق دونالد ترامب – 6 تشرين الثاني 2023.

لقد اعتقد الكثيرون أن ما جرى في كواليس الرد الإيراني بعد اغتيال قاسم سليماني لن يتكرر. لكن بعد أن وصل الأمر بإيران ونظامها، منذ ليلة الثالث عشر من حزيران 2025، إلى أن تكون عاصمتها طهران مجالًا جويًا مفتوحًا للمقاتلات الإسرائيلية، تستهدف وتقضي على من تشاء من قادة الحرس الثوري وقطاعاته كافة، في الأركان البرية والبحرية والجوية، وفي الدفاع والوسط والهجوم، وأن تصبح الأراضي الإيرانية، على امتداد مساحة المليون وستمائة وثمانية وأربعين ألف كيلومتر مربع، مستباحة لعملاء الموساد يعيثون فيها تفجيرًا وتفخيخًا واغتيالًا للعلماء النوويين والدينيين، ويقيمون فيها مصانع لمسيّراتهم تطال من يشاؤون وتتطاول على من يشاؤون… كان الجميع شبه متأكدين، بعد قصور الدولة التي لطالما هدّدت برمي إسرائيل في البحر والقضاء عليها خلال دقائق معدودات، أن رؤوس “الشيطانين الأكبر والأصغر” قد حان قطافها. خصوصًا بعد وقوع “الشيطان الأمريكي” في الثاني والعشرين من حزيران 2025 في المحظور الثلاثي، بضرب المنشآت النووية الثلاث في فوردو ونطنز وأصفهان، مترقّبين ومصدّقين لردّ قاصم حاسم يُنهي الغطرسة والهيمنة الأميركية – الإسرائيلية ويُخرجها من المنطقة، ممهدًا لإزالة إسرائيل من الوجود.

لا شك أن القارئ لما كشف عنه الرئيس الأميركي “المعتدي” على المنشآت النووية الاستراتيجية، يستطيع أن يعثر من النظرة الأولى، بعد أربعٍ وعشرين ساعة على “العدوان” و”الانتهاك” والاختراق، على خيط رفيع يربط بين الأداء الإيراني بعد اغتيال سليماني وضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، وبين الأداء الإيراني الحالي أمام الخسارة المحققة لبطاقة تأمين النظام الإيراني، المتمثلة بفقدانه لأعمدة التخصيب الأساسية لبرنامجه النووي.

على سبيل المثال، وحفظًا لماء وجه النظام الإيراني، سارع أركان النظام ووكالته الإعلامية ومحطاته الفضائية، المباشرة وغير المباشرة، إلى التخفيف من وقع الضربة، وإلى الترويج لنظرية عدم الإضرار ببرنامجه، وأن الضربة الثلاثية لم تمسّ “اليورانيوم عالي التخصيب” الذي أُخلي قبل يومين من موقع “فوردو عالي التحصين” إلى جهة مجهولة، وأن الضربات لم تمسّ إلا ظاهر الأرض في المنشآت لا باطنها، وأن اللعبة مستمرة ولم تنتهِ.

هذا الأداء الإيراني الإعلامي التخفيفي حمل في طيّاته نسخة غير منقحة من أداء ما بعد اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني. إذ إن الرد الإيراني على اغتيال قادة الصف الأول – من قائد الحرس إلى رئيس الأركان وبديله، وقادة الحرس وبدلائهم، وقادة سلاح الجو، ومسؤولي المخابرات، والوحدات، والعلماء – لم يتعدَّ الصواريخ الباليستية، والتي لم توصف يومًا بالذكية. وإن الرد المنتظر على ضربات أفضل مقاتلات الجيل الخامس الأميركية، وصواريخها عالية الجودة المتخصصة في خرق التحصينات عميقًا، حسب التوصيفات الإيرانية، سيكون أيضًا مختصرًا، مبرمجًا على غرار الرد المبرمج أميركيًا على اغتيال قاسم سليماني، وعلى غرار عدم الرد على مقتل عشرات القياديين والعلماء والمستشارين منذ 13 حزيران 2025.

في المحصلة، فإن إيران التي سايرت “الشيطان الأكبر” عن “احترام” – كما قال ترامب قاصدًا “الخوف” والهيبة والرهبة – في 3 كانون الثاني 2020، تاريخ اغتيال سليماني، عندما كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية قوة مترامية الأطراف، بأذرع قوية في كامل عافيتها، تسليحًا وتمويلًا ونفوذًا، بدءًا من الفصائل في العراق، والحوثيين في اليمن، والنظام الحليف والفصائل الشيعية وعلى رأسهم “الحزب” في سوريا، وهيمنتها على لبنان بواسطة وكيلها الشرعي في لبنان السيد حسن نصرالله، أمين عام “الحزب” ذو المئة ألف مقاتل، مُتكملي التجهيز، وصولًا إلى حركة “حماس” ودولتها في غزة، لن تكون اليوم إلا أضعف وأكثر مسايرة، إن لم نقل إذعانًا، بعد تساقط أذرعها وقياداتها ووكلائها على طريقة حجارة الدومينو: من غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن، وصولًا إلى تقطيع رؤوس الدولة الأصلية نفسها، وقطع أوصالها، ومواصلاتها، واتصالاتها، وأراضيها، ومنشآتها النووية، “حفاظًا” على ما تبقّى من نظام.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: