من غمام التطورات الاقليمية والدولية وضرب الاستحقاقات الدستورية اللبنانية بفعل فاعل معروف معلوم الهوية والهوى برزت على الساحة اللبنانية تطورات أمنية جرمية طالت أكثر من منطقة في توقيت واستهداف وهدف مريب كان أكثرها ريبة بالشكل والمضمون وخيبة من أمن ممسوك “مضمون” جريمة خطف وقتل المسؤول القواتي باسكال سليمان.
ان الغضب الذي واكب الخطف واكبته حملات واتهامات منظمة منتظمة بحق الطرف المخطوف المعتدى عليه سبقت التحقيقات واستبقت اكتشاف جثة المغدور ووضعت سيناريوهات وفبركات أعادت الى الأذهان والذاكرة مرحلة أليمة عاشها اللبنانيون والمسيحيون من بداية التسعينات حتى 2005 حيث طغى نظام الصيف والشتاء على سطح واحد والاحباط المسيحي والملفات الامنية والقضائية غب طلب النظام الامني السوري اللبناني والأحكام المركبة والنفي والاعتقالات التعسفية.
استعاد الممسكون الجدد بالنظام التهم الجاهزة بحق “التقسيميين” و”رؤوس الفتنة” و”المخططين للحكم الذاتي” و”حالات حتما” وكأن بورثة فلول النظام البائد يمشون على خطى السلف باطلاق الأكاذيب وتكرارها وتصديقها والتصديق عليها أستهدافات وأحكاما جائرة لاحقا.
في قراءة متأنية في السجل العدلي والوطني والاخلاقي لأصحاب تلك الحملات المتوجسين من طرح الفدرالية والحكم الذاتي والفتنة والحرب الأهلية نقع على مضابط اتهام تردّ على من يطلب من القتيل أن يرضى دون أن يرضى القاتل.
في موضوع الحكم الذاتي:لطالما طالب المعتدى عليه والمستهدَف الدولة بقواها الشرعية الأمنية والسياسية ان تحزم أمرها وتبسط سلطتها وهيبتها وسيادتها على كامل الأراضي اللبنانية وعلى كامل مؤسسات الدولة اللبنانية ولطالما عطّل المعتدي ومطلِق الاتهامات أي سعي لضبط الأمن والحدود وحصرية السلاح بيد الدولة وحدها لتكون المناطق التي تقع تحت سيطرته خاضعة لأمنه الخاص او ل”لجانه الأمنية” التي تقيم الحواجز وتعتقل المواطنين اللبنانيين والأجانب في سجونه الخاصة الحزبية الخارجة طبعا عن سلطة الدولة وآخر تجليات سلطات وصلاحيات الأمن الذاتي الحقيقي في تلك المناطق احتجاز آلية اليونيفيل في منطقة حي السلم.
الأخطر ان تلك المناطق الخارجة عن سلطة الدولة في الضاحية والجنوب والبقاع لطالما كانت وما زالت منطلقا للمجرمين وقطاع الطرق وعصابات السرقة على أنواعها والمهربين لكل مواد التهريب سواء كانوا منظمين منتظمين تحت لواء الحزب المسيطر أو متفلتين متمردين،الأشد خطورة ان تلك المناطق كانت وبقيت ملاذا محميا و”غيتو” عصيا على الدولة للمرتكبين بعد قيامهم ب”واجبهم” الإجرامي.طبعا بالإضافة الى سيطرة الحزب على المعابر الشرعية وغير الشرعية في المرافق والمفارق على طول خطوط تهريب البشر والسلاح والمخدرات وعلى خطين يعاونه طبعا النظام السوري صاحب أوسمة المجد بالارتكابات بحق السوريين والفلسطينيين واللبنانيين.
خير مثال ودليل على حماية الحزب لعصابات الأشرار تلك هي في ما جرى في منطقة الشراونة في بعلبك فمع بدء حملة الجيش اللبناني على حي الشراونة لتوقيف تاجر المخدرات “ابو سلة” علي منذر زعيتر، وفي تاريخ 5 حزيران من العام 2022، هدّد رئيس الهيئة الشرعية في “الحزب” الشيخ محمد يزبك الجيش في لقاء مع بعض أهالي منطقة الشراونة قائلاً ما حرفيته، “أعراضكم هي أعراضنا وبناتكم هم بناتنا، وأنتم أنفسنا، ولن نقبل المظلومية لأحد… من هذا المنطلق الذي أوصى به أمير المؤمنين علي، أن نكون الى جانب المظلوم وندافع عنه. هذا كلامنا الأول والأخير، ونحن نمهل ساعة أو ساعتين للانسحاب من الشراونة وإذا لم تحل الامور فليأتوا ويقتصوا منا أيضا”.
هذا الحديث الذي استتبع بانسحاب الجيش اللبناني من “غيتو حزب الله الأمني” يكشف حقيقة الكثير من الأحداث المماثلة والتي تؤكد ان الامن الذاتي والقضاء الذاتي والاقتصاد الذاتي انما يمارسهم الحزب في دويلته المتوسعة التي تقضم الدولة تمهيدا للقضاء عليها .هنا لا بد ان نضع هذا النموذج وغيره من النماذج في بقية مناطق سيطرة الحزب والنظام السوري في رسم وزراء الحقائب السيادية وعلى رأسهم وزير الداخلية.
لا يخرج التحقيق الذي نشرته مجلة Le point الفرنسية في 18 نيسان 2024 كما لم يخرج سابقا التحقيق الوثائقي التلفزيوني الذي بث في 5 شباط من العام 2023 في فرانس 5 عن تأكيد انغماس الحزب العميق في تصنيع وتجارة وتهريب المخدرات ووغسل أموالها عبر عصاباته المنطلقة من ملاذاته ومناطق حكمه الذاتي لتعبر القارات والدول عبر تعاونها وتعاضدها الوثيق مع كارتيلات المخدرات العالمية.
تأكيدا وتثبيتا لسيطرة الحزب المطلَقة على معابر التهريب -التي سلكها قتلة باسكال سليمان آمنين- ومحاولةً منه رد تهمة جرائم المخدرات عن حزبه يقول أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في 12 أيار 2023:“نحن لا نهرّب مخدرات نحن نهرّب سلاح”
هنا نتذكّر ونذكر تهريب “المتفجرات” التي نقلها ميشال سماحة من سوريا بغية تفجيرها في لبنان لأن “بشار هيك بدّو” على ما اعترف سماحة نفسه.
مقابل ممارسة الحزب لسلطته المباشرة وهيمنته في مناطق نفوذه بقوة سلاحه غير الشرعي يطرح المتهَمون المعتدى عليهم أمنيا ضرورة ممارسة الدولة لواجباتها في ضبط الأمن كسلطة مركزية كما يطرح قيام السلطات المحلية اي البلديات بما هو في نطاق صلاحياتها الضيقة والمطالبة بتنفيذ الادارات اللامركزية لواجباتها لا يقع طبعا في خانة الحكم الذاتيةاو التقسيم او الانفصال.
في موضوع “الفدرالية” و”حالات حتما”:ان ما سبق ذكره موثقا يؤكد للجميع ان ما يُمارَس على أرض الواقع هو انفصال دويلة الحزب عن الدولة المنفصلة عن سيادتها وواقع “حالاتها” الميؤوسة والتي تتطلب وتبرّر مطالبة السياديين ب”لبنان أولا حتما” بعد اختطاف “الدولة وقرارها “على طريق القدس” تماما كما حصل في الفترة الممتدة من 1975 حتى 1987 من خطف وقتل للمواطنين على طريق مطار بيروت والتي تطلبت وبررت مطالبة المسيحيين يومها ب”حالات حتما”
يجدر التنويه ان بعض الطروحات التي صدرت عن بعض الغاضبين وبصورةٍ فردية على مقتل باسكال سليمان ب”الطلاق” وحتى “التقسيم” استندت الى شعور “الغلبة” و”فائض القوة” و”التمادي في الارتكابات” الذي يمارسه به من يفترض ان يكون شريكا لهم في الوطن والمعاناة والالم والحزن…فالطلاق “أبغض الحلال” يقع عندما يصل الزوجان الى طريق مسدود ويصبحان عاجزَين عن الالتقاء على قواسم مشتركة او عن عدم تفهم وفهم احدهم للآخر…اما المطالبة بالدولة الفدرالية التي يشيطنها حزب الجمهورية الاسلامية في لبنان فهي دعوة الى الدولة الاتحادية لا الدولة او الجمهورية المسيحية في لبنان .
لأن الاستهداف المتمادي ما انفك مطاولا المسيحيين متطاولا عليهم زوراً وبهتاناً واسقاطاً لخطايا وجرائم المرتكِب على الضحية، نقول مع الكتاب المقدس في انجيل لوقا41:6″لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟”
في حالتنا لم يعثر على أي “قذى” في عين الضحية المتهَمة، اما في عين المرتكِب والمتّهِم والمفتري ف”عامودٌ” كبير ظاهر ومكشوف للعيان.