بدء تغيّر وجه الشرق الأوسط

Middle East Map0

كتب جورج أبو صعب: إنه المخطط المتّفق عليه إقليمياً ودولياً.. إنهاء أذرع إيران في المنطقة وكسر الهلال الإيراني الصفوي الشيعي الذي لطالما تحدثنا عن تأثيراته الجيو سياسية على دول المنطقة.

أمس الأول، كانت غزّة ومعها كان ضرب وإضعاف “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وبالأمس كان حزب الله وضربه وإضعافه، واليوم جاء دور بشار الأسد الذي شكّل لوحده تقاطعات استراتيجية وجيو سياسية بين قوى إقليمية ودولية متناقضة.

عندما طرح العرب على الأسد مبادرتهم من عمان وأعادوا المقعد السوري الى الجامعة العربية كان المعوّل عليه إبعاد الأسد عن إيران وإعادته الى الحاضنة العربية وفق شروط وضوابط، وعلى الرغم من توالي القمم التي دُعي اليها رأس النظام السوري والوعود التي قطعها مع وزير خارجيته فيصل المقداد، إلا أن لم يستطع الخروج من عباءة إيران.

والحل أمامه كان واضحاً: التسوية السياسية في سوريا وصولاً الى تنفيذ القرار الأممي 2254، لكن الأسد راوغَ كثيراً وكذبَ كثيراً على نفسه قبل الآخرين، فيما إيران أدركت منذ سقوط غزة عسكرياً بيد الاحتلال الإسرائيلي أن استراتيجيتها الإقليمية الثلاثنية (أي المعتمدَة منذ ثلاثين عاماً) بدأت تتهاوى، ويومها لم يكن قصف ملحق القنصلية الإيرانية في دمشق سوى بداية الإيذان بقدوم زمن انتهاء اللعبة عبر الوكلاء ووصول زمن المواجهة المباشرة..

يومها لم تحرّك طهران صواريخها ومُسيّراتها لضرب إسرائيل الا انتقاماً من تفجير الملحق في دمشق وليس ثأراً لغزّة وفلسطين التي كانت ترزح تحت الحديد والنار .. “فإيران ليست مضطرة للموت من أجل فلسطيني” كما قال أحد مسؤولي النظام الإيراني.

سقطت غزة.. وبعدها تحوّلت حرب الإسناد التي شنّها حزب الله الى حرب تصفية للحزب نفسه وحصل ما حصل.. فسارع الحزب بضغط إيراني الى طلب وقف إطلاق النار.. مع أن الحزب الذي يعتبرُ نفسه قادراً على تشكيل توازن ردعٍ مع إسرائيل وقادراً على دخول القدس والصلاة فيها ليس مفترضاً به أن يتوسّل وقف إطلاق النار لو لم تكن الكلفة باهظة على الإيراني لو استمر ضرب درّة تاجه.

إيران دخلت مباشرةً على خط الإمساك بزمام الحزب والإمساك بقراره الاستراتيجي، وها هي اليوم تبحث مع العراقي والسوري عن كيفية الحدّ من خسائرها مع ما تبقّى لها من وكلاء بانتظار أن يبقى لها شيء تفاوض عليه إدارة الرئيس دونالد ترامب.. باستثناء النووي.

اتفاقُ وقف إطلاق النار في لبنان بمثابة استراحة التقاط أنفاس إيرانية.. لكن حساباتها لم تكن دقيقة إذ انفجر الوضع السوري في وجهها وهذه المرة وفق تحالف تركي – عربي – روسي – واضح المعالم الهدف منه الانتهاء من بشار الأسد..

فمَن يتابعُ ما يحصل في سوريا يتوقّف عند ظاهرتين تحملان الكثير من المعاني: الصمت العربي الخليجي تحديداً والتراجع الروسي.. فالصمت العربي الخليجي يشرحُ نفسه بنفسه.. أما الصمت الروسي فهو المفاجئ وقد تبدّلت حسابات الرئيس فلاديمير بوتين مع وصول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الأبيض والصفقات التي يتمُّ اعدادها من الآن في موضوع أوكرانيا والشرق الأوسط..

إسرائيل من جهتها وبعدما سيطرت على الميدان الغزاوي ولجمت الورقة اللبنانية (حزب الله) التي كانت تهدّدها، تنصرفُ حالياً الى تصفية الملف الغزاوي وعينها على أحداث سوريا: فبشار الأسد انتهت صلاحيته لديهم وقد خدمهم طوال سنوات وسنوات في الجولان كما فعل والده حافظ الأسد ولم يعد مفيداً لهم خصوصاً منذ لحظة انغماسه مع الإيرانيين وسماحه لهم بتهديد أمن حدودها.. وكان الأسد قد تلقى العديد من الرسائل التي حيّدته عن حرب غزة ولبنان، والتزم بها أملاً منه بأن تساعده على استمرار الرضى الإسرائيلي- الأميركي عليه.. لكن السيف سبقَ العذل.

ما يُرسَم الآن في سوريا هو انطلاق لرسم المنطقة: خريطة النفوذ الداخلية في سوريا تُرسم وفق مصالح القوى الإقليمية والقوى الكبرى والقرار الأممي رقم 2254 فلا بدّ من “باكاج” تطبيق القرارات الدولية في لبنان (1701 – 1559 – 1680) وتطبيق القرارات الدولية لفسلطين في إطار صفقة الحل النهائي للفلسطينيين الذي سيُبنى على شبه دولتَين، فيما اليمن متجه نحو موالفة تقسيمية جديدة بين شمال وجنوب برعاية ووصاية إقليمية ودولية، والعراق الذي يتخبّط اليوم إزاء التغييرات الجذرية في المنطقة يبحث عن كيفية النأي بنفسه عن ضغوط إيران وقد أدرك رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن لحظة التبدّلات الكبرى ستضرب أيضاً العراق باتجاه إضعاف إيران وفصائلها وإعادة خلط أوراق التفاهمات السابقة بين طهران وواشنطن.

تفكك الساحات.. ارتباك إيران إقليمياً.. إضعاف أذرعتها وزعزعتها وضرب هيبتها وتأثيرها ونفوذها الإقليمي.. هو ما نشهده حالياً على مراحل وعلى أكثر من صعيد، وبوابة دمشق هي الأساس في تكريس الشرق الأوسط الجديد، وقد بدأت أولى خطوات تحققه عملياً منذ العام 2011 مروراً بنقل العاصمة والسفارة الأميركية في القدس وصولاً الى تلزيم إسرائيل مهمة القضاء على تصدير الثورة الإيرانية في المنطقة من بوابتي غزّة ولبنان، وقد تكون النهاية إما باتفاق نووي يرضخ له الملالي مكرهاً وإما بتغيير النظام، فمواجهة الصين وملفات شرق آسيا قد لا تحتاج الى مثل هذا النظام المارق في واشنطن ـ ترامب.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: