يبدو أن الأمور تختلط على نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم:
فثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" سقطت مع توقيع اتفاقية تشرين الثاني 2024، وخطاب القسم للرئيس جوزاف عون، والبيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام، الذي خلا ـ وللمرة الأولى منذ عقود ـ من أي تشريع للعمل المقاوم أو لسلاح الحزب.
ومطالبة الأمين العام للدولة بقيامها بواجبين قبل المطالبة بتسليم السلاح، وهما: وقف العدوان وإعادة الإعمار، تأتي في سياق غير منطقي على الإطلاق. فوقف العدوان يتناقض مع مبدأ مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان؛ إذ لو كانت هناك مقاومة قادرة على دحر إسرائيل بالقوة، كما يردد الشيخ نعيم قاسم، فلماذا يطالب الدولة بوقف العدوان، بدلًا من أن يقوم سلاح الحزب بذلك؟ خاصة أن الدولة، وتحديدًا السلطة الحالية، ورثت من الحزب “تركة” هزيمة كبرى، لا يسهل على هذه السلطة معالجتها بسرعة، خصوصًا حين نرى أن أي وقف للعدوان، وبغياب البديل القوي، يتوقف على تنفيذ لبنان خريطة طريق توم براك، لا الثلاثي الرسمي اللبناني.
أما إعادة الإعمار، فليتفضل الشيخ نعيم ويقدم لنا دولًا مانحة مستعدة لإغداق الأموال والاستثمارات في لبنان، بدءًا من إيران، لإعادة إعمار الجنوب أولًا… وإلّا، فليتفضل بتسليم سلاحه للدولة اللبنانية، كي تتمكن الأخيرة من تأمين الإمكانات المالية للإعمار.
لقد اختلط الأمر على الشيخ نعيم عندما يقول إن كل مطالبة بتسليم السلاح تعني تسليمه لإسرائيل؛ والحقيقة أن الشيخ ينسى أن عدم تسليم السلاح هو ما يخدم عربدة إسرائيل في لبنان، ويُمعن في إطالة أمد الدمار والقتل وعدم الاستقرار، ويُخرج لبنان من قطار الحلول. فإذا كان هناك مستفيد من استمرار السلاح والفوضى في لبنان، فهي إسرائيل.
ثم ينسى الشيخ نعيم أن المطلوب هو تسليم سلاحه للدولة اللبنانية، لا لإسرائيل، إلا إذا كان يعتبر الدولة اللبنانية هي إسرائيل!
الحزب مُطالب بتسليم سلاحه للدولة اللبنانية، التي تجمع وتحمي جميع أبنائها، بمن فيهم بيئة الحزب والحزب نفسه. وهي تحمي الوطن، وتكون قوية حين يمنحها كل لبناني الثقة والمساحة لاكتساب القوة والقدرة. وهذا لا يتم بوجود دويلة داخل الدولة، ولا باقتصاد رديف داخل الاقتصاد الوطني، ولا بسياسة خارجية خاصة تنفصل عن سياسة الدولة…
فلعل الحزب، الذي تروعه طروحات الفيدرالية أو التقسيم، هو السبّاق في تنفيذها بهذا الشكل.
أما قول الأمين العام إنه لن يُهزم أمام إسرائيل، فهي سردية ممجوجة تلاقي سردية “الانتصار الموهوم”: فإذا كان الحزب لا يُهزم أمام إسرائيل، فلماذا تحتل إسرائيل خمس نقاط حدودية حتى الآن؟ وإذا كان لا يُهزم، فلماذا قُتل السيد حسن نصرالله ـ كما يُشاع ـ وتفجّرت آلاف السيارات (البيك أب) بقيادات ومسؤولي الحزب؟ بل، لماذا قُتل كل قادة الحزب، من الصف الأول إلى الصف الثالث، بينما لم يُقتل أي قائد إسرائيلي؟
ولماذا دُمّر الجنوب؟ ولماذا انسحبت الأسلحة من جنوب الليطاني كما يُقال؟ ولماذا التوقيع أساسًا على اتفاقية تشرين الثاني 2024 الاستسلامية والانهزامية من قبل “الأخ الأكبر” نبيه بري، حيث سُمِح لإسرائيل بالتنزه في سماء لبنان ومواصلة عملياتها العسكرية على كامل التراب اللبناني بحرية، من دون رقيب أو حسيب؟
أما القول إن الانتصار تجلّى في محافظة الحزب على وجوده رغم شدة الحرب الأولى عليه، فكلام غير منطقي أيضًا، طالما أن مناطق البيئة الحاضنة مدمّرة بالكامل، وطالما أن إسرائيل تستهدف يوميًا مسؤولين وكوادر من الحزب في سياراتهم وبيوتهم، واحدًا تلو الآخر، وطالما أن الحزب فقد ثلثي قدراته العسكرية، ولم يعد له ظهير إقليمي أو حتى داخلي…
فكيف يكون قد حافظ على وجوده؟
ربما بقدرة الشيخ نعيم قاسم على الاستمرار في إطلالاته الإعلامية الجوفاء، التي سبقها الزمن.