بعد ٤٣ عاماً.. سقوط سلاح قاتلي حُلم بشير الجميّل!

BASHIR

في مثل هذا اليوم من العام 1982، خسر لبنان أحد أبرز رجالاته في تاريخه الحديث، لم يكن بشير الجميّل مجرد زعيم أو رئيس منتخب، بل كان مشروع وطن بكامله، يحمل رؤية متقدمة للدولة والسيادة والكرامة الوطنية، في 14 أيلول، انفجار في الأشرفية اغتال بشير قبل أن يتسلم مهامه رسمياً رئيساً للجمهورية، فطُويت صفحة رجل بحجم أمة، ورُفعت راية القضية التي استشهد من أجلها.

وُلد بشير بيار الجميّل عام 1947 في بيروت، وترعرع في كنف عائلة كرست وجودها لخدمة لبنان، منذ شبابه، انخرط في النضال السياسي والوطني، وتميز بقيادة استثنائية وسط الحرب اللبنانية، فكان أحد مؤسسي "القوات اللبنانية"، التي لم تكن مجرد فصيل عسكري بل إطار وطني للدفاع عن الكيان اللبناني ومشروع الدولة. رفض بشير منطق الحرب من أجل الحرب، وكان يؤمن أن السلاح لا يُستخدم إلا لحماية السيادة، لا لخدمة مشاريع خارجية أو طموحات فئوية.

حين انتُخب رئيساً للجمهورية في 23 آب 1982، جاء انتخابه تتويجاً لمسيرة نضالية حملت حلماً واضحاً، بناء دولة سيدة حرة مستقلة، لا وصاية عليها، لا احتلال في أرضها، ولا سلاح خارج شرعيتها. لم يهادن، لم يساوم، ولم يتراجع، فكان رجلاً سابقاً لعصره، يطمح إلى دولة مدنية قوية، تحكمها العدالة لا الميليشيات، والدستور لا السلاح، والانتماء الوطني لا الطائفي.

اغتيل بشير لأنه كان يشكل خطراً وجودياً على المنظومة التي اعتادت حكم لبنان من وراء الستار. اغتيل لأنه أراد إخراج لبنان من صراعات الآخرين، ورفض أن يبقى وطنه ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية، كان صوته واضحاً، لبنان أولاً، وكل لبناني تحت سقف الدولة، وهذا ما أرعب من اعتادوا على العبث بالسيادة مقابل النفوذ.

واليوم، بعد ثلاثة وأربعين عاماً، يقف لبنان مجدداً أمام مفترق طرق، تتهاوى المنظومات القديمة، وتضعف القبضة الميليشيوية، وينهار وهم السلاح الذي وعد بحماية لبنان فحوّله رهينة، ما نشهده من حراك وطني، من نداءات إلى الحياد، ومن مطالبات بدولة قوية، ليست إلا استمراراً لما نادى به بشير، وتجسيداً لتلك الرؤية التي لم تمت باغتياله.

بشير الجميّل لم يعد اسماً محصوراً بفئة أو طائفة، بل بات رمزاً للدولة المنشودة، لكل لبناني يبحث عن وطن يحكمه القانون لا الولاءات، والذين حاربوه بالأمس، هم اليوم أنفسهم أمام مساءلة التاريخ، وأمام نزع سلاحهم، الذي قُتل به الأحرار واللبنانيون، بعدما سقطت أقنعتهم، وبات مشروعهم عارياً من كل شعاراته.

لم يكن استشهاد بشير نهاية، بل بداية طويلة ومؤلمة لصراع بين مشروعين: مشروع الدولة ومشروع الدويلة. وبينما تميل كفة الواقع أكثر فأكثر نحو منطق الدولة، تزداد الحاجة لاستعادة روحية بشير، الجرأة في المواجهة، الصدق في الطرح، والإيمان الراسخ بلبنان السيد الحر المستقل.

لقد حاولوا قتل الفكرة باغتيال صاحبها، لكن الفكرة بقيت، وكبرت، وها هي اليوم تفرض نفسها على الواقع السياسي، وكأن الرجل الذي غاب جسداً قبل ٤٣ عاماً، قد عاد من جديد، لا ببدلته العسكرية أو خطابه الناري، بل بإرثه، بمشروعه، وبنبض الشارع اللبناني الذي لم يعد يحتمل العيش في وطن من دون كرامة.

وبينما تقترب لحظة الحقيقة، يعود صوت بشير من بعيد، كأنه يقول: "لبنان مش سايب... وبدنا الدولة، مش المزرعة."

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: