في خطوة طال انتظارها لسنوات، شهدت جلسة الحكومة أمس الخميس إنجازاً بالغ الأهمية تمثل في تعيين الهيئة الناظمة لقطاعي الكهرباء والاتصالات، وهو تطور يُعد نقطة تحوّل في مسار إصلاح أحد أكثر القطاعات تراجعاً وحساسية في البلاد، هذا التعيين لا يقتصر أثره على قطاع الكهرباء فحسب، بل يشكل أيضاً مدخلاً لتفعيل تنظيم قطاع الاتصالات، بما يحمله ذلك من تأثير مباشر على البنى التحتية، والاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات.
تفعيل الهيئة الناظمة يعني عملياً وضع القانون رقم 462/2002 موضع التنفيذ، بعد أن ظل معطلاً بفعل تجاذبات سياسية دامت سنوات، حالت خلالها ممانعة بعض الوزراء من دون تشكيل الهيئة، إدراكاً منهم أن قيامها سيُقلص من صلاحياتهم، ويوسع من رقعة الرقابة والمساءلة، ويحد من نهج التفرد والمحاصصة في اتخاذ القرارات.
وفي حديث خاص لموقع "LebTalks"، اعتبر الباحث في الشؤون الاقتصادية، البروفيسور طوني ضو، أن "تشكيل الهيئة الناظمة لا يُعد مجرد خطوة إدارية، بل يُمثل تحولاً بنيوياً في مسار الحوكمة داخل قطاعي الكهرباء والاتصالات".
وأوضح أن الهدف الأساسي من إنشاء هذه الهيئات هو الفصل بين السياسة والإدارة، من خلال تعزيز مبادئ الحوكمة، وتمكين المؤسسات من العمل وفق أسس مهنية وشفافة، بعيداً من التدخلات السياسية.
أضاف ضو: "على المستوى النظري، من شأن الهيئات الناظمة أن تُحد من الفساد الإداري والسياسي، عبر فرض معايير واضحة في عمليات الترخيص والتلزيم، وإجراء مناقصات شفافة، وتقليص التدخل المباشر للوزارات، ما يضمن أن تكون الكفاءة والجدوى هما المعيارين الأساسيين في اتخاذ القرار".
وتابع: "تشكيل الهيئة يُعد خطوة أولى، لكنها ضرورية، ضمن مسار طويل يحتاج إلى التزام سياسي واضح، وضمانات قانونية تحفظ استقلالية هذه الهيئات، وتتيح لها أداء دورها بعيداً عن الضغوط والتدخلات".
ويرى ضو أن وجود هيئة ناظمة مستقلة يُشكل انطلاقة فعلية نحو تحرير قطاعَي الكهرباء والاتصالات من التبعية السياسية، من دون أن يعني ذلك اللجوء إلى الخصخصة، فالتحرير هنا يعني فتح المجال أمام القطاع الخاص للمنافسة ضمن إطار تنظيمي شفاف، يُشجع على الاستثمار، ويُحسّن مستوى الخدمة، ويُخفض الكلفة على المواطنين.
أما التحدي الحقيقي، فيكمن بحسب ضو في ضمان تمكين الهيئة من ممارسة مهامها، فالقوانين وحدها لا تكفي إن لم تترافق مع إرادة سياسية جادة، تسعى إلى الإصلاح الفعلي لا إلى المناورة أو المساومة.
وفي الخلاصة، فإن تعيين الهيئة الناظمة لا يُعد حدثاً إدارياً عادياً، بل هو فرصة تاريخية لتصحيح مسار عقود من الفوضى والارتجال، وفي حال تم استثمار هذه اللحظة بالشكل المناسب، فقد تكون البداية لتحوّل حقيقي في بنية الدولة وأداء مؤسساتها.