لا صوت يعلو على صوت المعركة، وما من عنوان يتقدم على عنوان الوحدة الوطنية وعلى تضامن المجتمع اللبناني بكل مكوناته، والذي تجلى بأبهى صورته منذ توسع دائرة العدوان الإسرائيلي على لبنان مستهدفاً أكثر من منطقة ومطيحاً بكل قواعد وجغرافية الإشتباك على الجبهة الجنوبية.
ومن مشهد استنفار اللبنانيين صحياً واجتماعياً لتقديم الدعم ولو بالدم للمصابين في مجزرة تفجير أجهزة الإتصال التابعة لعناصر “حزب الله” والتي أصيب فيها عدد كبير من المدنيين، إلى مشهد احتضان كل المناطق للنازحين من الضاحية الجنوبية ومن كل القرى الجنوبية، برزت ظواهر على امتداد مسار هذا النزوح في الساعات الـ48 الأخيرة، أدت إلى انقلاب المشهد والى زرع الشقاق والنفور بين النازح والمواطن الذي تعاطف معه، الذي شعر بالتهديد والإستفزاز نتيجة الحملات المذهبية التي لم توفر أي مكون في المجتمع وفي أكثر من منطقة في العاصمة او في الشمال او صيدا او جبل لبنان.
وقد تكون هذه المظاهر التي بقيت من دون معالجة جذرية من المسؤولين عن “استفزازات العناصر المسلحة”، مقدمة لأحداث ومناخات سلبية في المدى القريب خصوصاً وأن الحرب مرشحة لأن تطول بمعزل عن كل ما يتردد عن وقف لإطلاق النار.
وبينما فتح اللبنانيون في كل المناطق على امتداد الوطن، منازلهم ومدارسهم وكنائسهم للنازحين من الجنوب، فإن المعنيين الفعليين بأزمة النزوح والذين يطرحون شعارات فارغة وحملات على مواقع التواصل الاجتماعي، متهمين اللبنانيين بالشماتة وتهديدهم بالإنتقام و”رد الجميل” عبر اجتياح من نوع آخر ومبطن، يتغاضون عن دورهم الأساسي والوطني في تقديم كل أنواع المساعدة لبيئتهم وأنصارهم ويدفعون نحو وضع الآخرين في مواجهة كل تحديات النزوح .
ومن ضمن هذا السياق لا يمكن إغفال ما نقله المواطنون من صور لاقتحام منازل ومدارس في بيروت بالأمس، من قبل نازحين جنوبيين في الأيام الأخيرة أو الإشكالات ذات الطابع المذهبي والطائفي.
واذا كان كل ما يحصل يدل على أن كل الدعم والإحتضان تتم مواجهته من قبل الجهة المقابلة، ومن بيئة المقاومة، بنكران الجميل والغضب والتخوين والإستفزاز، فإنه من الضروري وضع النقاط على الحروف على هذا الصعيد، وتوجيه أسئلة واضحة إلى المطالبين باحتضان النازحين، وتتعلق بالدرجة الأولى بالأسباب التي تمنع هؤلاء المدعين للوطنية، من تقديم ما يملكون من إمكانات معروفة من قبل الجميع، لإيواء العائلات النازحة أو على الأقل عناصرهم الحزبية.
ومن بين هذه الإمكانات تأتي الفنادق والمباني الفخمة الفارغة في بيروت كما في وسط العاصمة والجناح والرملة البيضاء والمملوكة من رجال أعمال ومسؤولين من بيئة المقاومة، وذلك بعيداً عن الدخول في تحديد هذه الأمكنة علماً أن الجميع على مستوى الرأي العام أو السياسيين، يتحدثون عنها ويستغربون “غياب الحس الوطني” عند أصحابها فيما هذا الإحساس بالوطنية والإنسانية، لم يترجم على أرض الواقع إلا من قبل الذين تضعهم بيئة وقيادة النازحين اليوم كما بالأمس في دائرة “الخصوم والشامتين” بما يحصل من معاناة في كل لبنان وليس فقط في بيئة “الثنائي الشيعي”.
وفي هذا المجال تأتي المعاناة المشتركة لأبناء المناطق والقرى في الشمال وجبل لبنان كما في كسروان والأشرفية والدكوانة او في الشوف والجبل والمتن الجنوبي والشمالي، حيث أن النزوح يضغط على هذه المناطق المكتظة أصلا والتي يعاني أبناؤها من الأزمة المعيشية ويحتاجون للدعم، بينما أغنياء الطائفة الشيعية على وجه التحديد يستعينون بالقوى الأمنية لمنع أي عائلة نازحة من الجنوب من دخول أي من أملاكهم ومنازلهم وفنادقهم “الشاغرة”، ويحولونها إلى المناطق الشعبية المسيحية والسنية، ويفرضون على المواطنين دعم اخوتهم في الوطن من القليل الذي يملكونه، ويتقاسمون رغيف الخبز معهم.
وقد يكون على سبيل المثال ما يتم التداول به في أوساط الجمعيات الانسانية وحتى بين بعض النازحين في كل المناطق من دون استثناء، حول “أزمة الفرش” حيث أن التجار المعروفين في منطقة الأوزاعي مثلاً يحتكرون “الفرشات” ويبيعونها بأسعار مضاعفة.
فهل دعم أهالي الجنوب وبيئة المقاومة مطلوب من كل اللبنانيين ومن الشعب الفقير الذي خسر ودائعه، فيما المسؤولين عن بيئة المقاومة يمتنعون عن أي دعم أو مساعدة ولا يقدمون إلا المواقف والتصريحات السياسية ويتركون مهمة التضامن الجدي لغيرهم.