Search
Close this search box.

بين الصيغة والميثاق والفيدرالية

lebanon

كتب بسام أبو زيد في موقع “LebTalks”:

لا يزال البعض في لبنان يؤمن “بالصيغة” و”الميثاق” معتبراً أن الوقت المناسب سيأتي من أجل أن يثبت صحة نظرية هؤلاء على حساب خطأ نظرية الهيمنة المطلقة ونظرية الانفصال كما يحلو للبعض تسميتها من الفدرالية إلى التقسيم.

لو يراجع أصحاب الصيغة والميثاق تاريخ لبنان بعد الإستقلال لوجدوا أن هذه الصيغة تدرجت في عملية انحلال الدولة اللبنانية وتكريس الولاءات الطائفية والمذهبية والأهم الولاءات الخارجية والتي هي اليوم في أوجها، وألحقت قطعة الأرض المسماة لبنان بنظام ديني هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية وربطت مصير هذه الأرض ومن عليها بالقرار الآتي من هناك.

الأوجه المتعددة لفشل الصيغة والميثاق كثيرة ولا تحتاج إلى شروحات وأبرزها حرب 1958 والتي يطلق عليها البعض زوراً إسم ثورة، إتفاق القاهرة في العام 1969 وما تبعه من أحداث سياسية وأمنية أوصلتنا إلى حرب 1975، التطبيق السيئ لاتفاق الطائف وبدء قرار مصادرة الدولة الذي تحول مع تحرير الجنوب من الإحتلال الإسرائيلي في العام 2000 إلى عملية وضع اليد على لبنان وقراره من دون أي رادع، اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط من العام 2005 وكل عمليات الاغتيال الأخرى التي سبقته وتبعته، وحرب تموز من العام 2006 ولا ننسى الاعتصام في وسط بيروت وأحداث 7 أيار 2008، وإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري والقمصان السود وجميع حالات الشغور الرئاسي وتعطيل تشكيل الحكومات وصولا إلى الحرب الراهنة.

قد يقول البعض إن هناك أحداثاً تؤكد في المقابل أن الصيغة والميثاق هما الأساس وأن اتفاق الطائف أتى على هذا الأساس، وحقيقة هذا الإتفاق إنه أتى نتيجة غالب ومغلوب، وصحيح أنه نص على المناصفة ولكنها ليست محترمة سوى من ناحية العدد في مجلس النواب ولا تجسد أبداً المشاركة في القرار ما جعل السلطة القائمة في لبنان منذ أن أقر هذا الإتفاق سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك بالشكل والمضمون.

وقد يتحدث البعض عن حركة 14 آذار وهي حركة كان يمكن لها أن تكون بالفعل خلاصاً للبنان ولكنها سقطت بسبب عنجهية بعض الموارنة الذين خافوا على موقع رئاسة الجمهورية فغيبوه هم لاحقاً ويغيبونه حالياً وانتقلوا إلى الضفة الأخرى بين ليلة وضحاها، وسقطت بسبب ربط النزاع بين السنّة وبالأحرى تيار المستقبل مع حزب الله، وسقطت بسبب لعب وليد جنبلاط على طرفي النقيض واعتماده سياسة الكر والفر وفق المصلحة التي يراها.

وقد يتحدث البعض عن أن انتفاضة 17 تشرين 2019 كانت في سياق الصيغة والميثاق ولكن الحقيقة أن جماعات سياسية من كل الطوائف واجهت هذه الانتفاضة من أجل إسقاطها.

إن الواقع اليوم ومع كل الأدلة السياسية المتوفرة يشير إلى أن الصيغة والميثاق ماتا ولن تكون لهما قيامة، فمن يسيطر على البلد وقراره ليس أبداً في وارد التخلي عن ذلك وصيغته وميثاقه هو حكم البلد في شكل آحادي وتأليب كل من استطاع من أي طوائف في وجه من يعارضه.

إن المسيحيين الذين كانوا ركناً أساسياً في الصيغة والميثاق هم اليوم إما يستسلمون لقوى الأمر الواقع وإما يتزلفون إليها لمصالح خاصة وشخصية وإما لا يخوضون مواجهة تسقط الهيكل ولو على رؤوس الجميع فما الذي بقي من أجل الحفاظ عليه؟

رئاسة الجمهورية مغيبة، وحاكمية مصرف لبنان لدى طائفة أخرى، وقائد الجيش قد تنتهي ولايته الممددة ولا يعرف مصير القيادة، وغيرها وغيرها من المناصب التي يحاول البعض تجميل واقعها بالقول بأن المسلمين فقدوا مواقع أيضاً وهذا صحيح ولكن فقدان أي موقع ولا سيما لدى الشيعة لم يفقدهم القرار.

قد تصل القوى المسيحية إلى لحظة التمديد لمجلس النواب الحالي، فما هو الأفضل التمديد أم إسقاط هذا المجلس وإسقاط التفرد بحركته كما أسقط الآخرون رئاسة الجمهورية، فقد تكون الفوضى السياسية الشاملة هي الوسيلة الوحيدة لاستعادة البلد بأي صورة من الصور لا سيما وأن السُنة مشتتو القيادة حالياً وربما تدفعهم الفوضى الشاملة إلى الوحدة، وقد يجد الدروز الفرصة سانحة للتحرك باتجاه ما يحلمون به سراً من لبنان إلى جبل العرب والجولان وربما أبعد، وطبعاً لن تكون الفوضى الشاملة مناسبة جديدة لولادة دولة مركزية جديدة بل قد تكرس ما حققته قوى الأمر الواقع المسلحة حالياً من فيدرالية مقنعة نحو فيدرالية مقوننة ودستورية لتكون هي الحل الوحيد فقط لأن البديل عنها بالنسبة للبنانيين المغلوب على امرهم هو بين خيارين إما الحرب وإما الرحيل.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: