لم يعد خافياً على أحد اﻻرتفاع الملحوظ في اﻻهتمام الأميركي بالمملكة العربية السعودية في الأسابيع والأيام الأخيرة، ومن تجليات هذا الاهتمام زيارات المسؤولين الأميركيين وتصريحاتهم ومواقفهم، وتسليط الإعلام الأميركي الموالي للديمقراطيين على أهمية وتاريخية ما سوف يتمُّ إبرامه من اتفاقياتٍ بين البلدين.
الخشية من القدرات النووية السعودية
الرياض بصدد الإعداد لبرنامجها النووي الذي يثير المخاوف لدى إسرائيل التي تخشى من القدرات النووية لأي دولة في المنطقة خصوصاً اذا كانت دولةً بحجم المملكة العربية السعودية وأهميتها، فيما
تدركُ واشنطن من جهة أخرى عمقَ التعاون النووي مع السعوديين، إذ وكما سبق للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أن قالها يوماً من أنه “لو لم نتعامل مع السعودية على إنجاز مشروعها النووي لأمكنَها الاستعانة بدولٍ غير الوﻻيات المتحدة لإنجاز مشروعها”، فيما الرياض تُصرُّ على التخصيب لأن لديها ما بين ٦ و٧ % من مخزون اليورانيوم في العالم، وبالتالي هي تريد استثمار هذه الثروة التي لديها كإحدى إيرادات الطاقات البديلة بمجرد بيعها اليورانيوم المخصّب لديها.
نتنياهو وكابوس حلّ الدولتين
المخاوف الإسرائيلية ناجمةٌ، من جهتها، عن عدم وجود سلامٍ الى الآن مع الرياض ولا وجود علاقات بين البلدين، فالتطبيع مع بلدٍ كالمملكة يعطي طمأنينة كبيرة لكن الرياض لا يمكنها إبرام أي اتفاق سلامٍ قبل حلّ المشكلة الفلسطينية وإيجاد صيغة لحلّ الدولتين، الأمر الذي لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفضه حتى الآن، إذ إن عملية “طوفان اﻻقصى” عطّلت مساراً تفاوضياً بين الرياض وواشنطن كان يُعمل من خلاله على التوصّل الى حلّ الدولتين، وكانت الحكومة الإسرائيلية رازحة تحت الضغط الأميركي آنذاك للقبول بدولة فلسطينية، ولذلك قلناها في السابق ونعود لنردّدها بأن طوفان الأقصى بقدر ما حرّرَ إيران وحماس من شبح التطبيع، بقدر ما أبعد عن نتنياهو وحكومته كابوس حل الدولتين.
من التطبيع الى إزالة القلق والهواجس
الرياض حالياً باتت غير معنيّة بالتطبيع مع رئيس وزراء إسرائيلي قد تصدر بحقه في أي وقت مذكرة اعتقال دولية في ظل استمرار رفضه تقديم أي تنازل في مجال القبول بدولة فلسطينية الى جانب إسرائيل، فضلاً عن شرط عدم اجتياح غزّة والانسحاب من القطاع برمّته، فأمام فشل الخطة “A” التي تقضي بإبرام التطبيع السعودي- الإسرائيلي، ظهرت الخطة “B” بين الرياض وواشنطن والتي من مقتضياتها إزالة القلق الأميركي حول موضوع تخصيب المملكة لليورانيوم بحيث ستُعطى واشنطن الدور نفسه الذي أعطي لها في موضوع تصنيع القنبلة الباكستانية لردع الهند التي تملك هي أيضاً قدرة نووية مشابهة، وذلك بضمان عدم تهديد أمن إسرائيل وعدم استخدام النووي لغير أغراض الردع كما من باكستان كذلك من المملكة العربية السعودية.
نحو التوقيع على اتفاقيات تجارية ودولية ضخمة
الأمر نفسه ينسحب على العلاقة بين الرياض وطهران، إذ إنه وعلى الرغم من الاتفاقية بينهما إﻻ أن حالة العداء اﻻستراتيجي لم تنتهِ، كذلك الحذر بينهما من بعضهما البعض، فإيران تملك القدرات النووية وبالتالي ﻻ بدّ من الرياض أن تضمن لنفسها مظلّة أمنية ومعاهدة عسكرية استخباراتية للدفاع عن السعودية كموجب على واشنطن عبر المعاهدة الدفاعية العتيدة، وعليه فإنه انطلاقاً من مجمل هذه المعطيات يمكن التوقّف عند الآتي :
– أولاً : كرة التطبيع والسلام باتت في ملعب الناخب الإسرائيلي في أية انتخابات مقبلة في إسرائيل لأن الوعد العربي بالسلام والتطبيع له ثقله وتأثيراته في حسابات الرأي العام الإسرائيلي الذي لديه اعتراضات ومعارضات ضد سياسات حكومة نتنياهو اليمينية المتطرّفة لا سيما وأن مسألة الرهائن أفقدت الحكومة الإسرائيلية الكثير الكثير من شعبيتها وشعبية رئيس وزرائها نتنياهو .
– ثانياً : دور حماس في إدارة غزّة انتهى ولن يكون لها أي دور مستقبلي في القطاع كما قبل ٧ تشرين الأول، وحماس نفسها اليوم تتحدث عن إلقاء السلاح مقابل الإبقاء على دور لها، ما يعني أن السلطة الفلسطينية ستشهدُ إعادة هيكلة جذرية قبل أن يُعطى لها دور في استلام إدارة القطاع بدعمٍ عربي وأميركي ودولي ومشاركة تركية محدّدة.
وفي هذا الإطار، وبالحديث عن الدور التركي، يجب أن لا يغيب عن بالنا أن الرئيس اردوغان ومهما صرّح وتشدّد في مواقفه ضد إسرائيل وما يجري في القطاع إنما يبقى تحت السقف الأميركي كي لا نقول ضمن قواعد اللعبة المرسومة لكل لاعب إقليمي، فعندما تُحجمُ واشنطن عن تناول موضوع تعليق المعاملات التجارية بين أنقرة وتل إبيب إعرف من هنا أن الخطوة “مدروسة “، فبالأمس أفادت المعلومات عن درس مصدِّرين أتراك لوسائل بديلة لإيصال بضائعهم الى إسرائيل عن طريق دولة ثالثة.
– ثالثاً : تبقى الولايات المتحدة شريكاُ أساسياً للمملكة تجارياً واستراتيجياُ وتسلحياً رغم أن تصدير النفط متوقّفٌ حالياً بين البلدين، لا سيما وأن الولايات المتحدة تُصدّرُ النفط راهناً أكثر مما تستورده، فأميركا أكبر منتجٍ للنفط في العالم حتى الآن، وهي تنتجُ يومياً 40 مليون برميل، لكن في المقابل، تبقى اﻻستثمارات السعودية في أميركا لا سيما في سندات الخزينة الأميركية فضلاً عن وجود شركات أميركية في السعودية في مجالات اقتصادية وتجارية كبرى،
من هنا فإن الورقة اﻻنتخابية التي يلعبها الديمقراطيون اليوم هي لإنجاح التحالف مع السعودية لاستثمار ذلك في الحملة اﻻنتخابية الرئاسية، وأمام فشل التطبيع السعودي- الإسرائيلي بوجود حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل كحكومة نتنياهو، يبقى التوجّه الآخر ” شغّال ” ألا وهو التوقيع على اتفاقيات دفاعية وتجارية ضخمة بين واشنطن والرياض انطلاقاً من ضرورات المملكة، ومن وسع آفاق علاقات الرياض العالمية، ومن الحاجة الى الانطلاق ببرنامج نووي متعدّد التوظيفات السياسية إقليمياً ودولياً .