في انتخابات اتحاد بلديات الكورة الأخيرة، لم تكن المعركة بلدية فحسب، بل كانت سياسية بامتياز، اختُبرت فيها الأحجام الحقيقية والتوازنات الشعبية، وكُشف فيها الكثير من النيات. في هذا المشهد المعقّد، اختارت القوات اللبنانية أن تخوض المواجهة وحدها، بثقة تامة بحضورها وناسها، متجنّبة الاصطفافات والتسويات، ومفضّلة المواجهة الواضحة على الغموض السياسي.
فمقابل القوات، تجمّعت مجموعة غير مسبوقة من الأحزاب والقوى: الحزب القومي بفرعيه، المردة، التيار الوطني الحر، حزب الله، حركة أمل، بعض القوى السنية، وعدد من الشخصيات المستقلة التي صُنّفت ضمن المحور نفسه. جبهة عريضة لا يجمعها مشروع إنمائي مشترك، بل تقاطعها الوحيد كان هدفًا واحدًا: كسر القوات اللبنانية وإخراجها من المعادلة.
ورغم هذا التحالف الضخم، حافظت القوات على ثباتها وحصدت ١٣ بلدية من أصل ٣٢، أي ما يعادل ٤١٪ من التمثيل البلدي في الكورة، وحدها، ومن دون أي تفاهمات أو صفقات. هذه النتيجة ليست رقمًا بقدر ما هي مؤشرٌ على عمق الارتباط الشعبي الذي تحقّقه القوات في المنطقة، وثقلها السياسي الحقيقي الذي لا يمكن تجاوزه.
أما المفارقة الأبرز، فكانت في موقف القوات من رئاسة الاتحاد. ورغم محاولات خصومها كسر العرف المعتمد تاريخيًا، لم تنجرّ القوات إلى ردّة فعل مماثلة، بل احترمت التوازنات، وقدّمت ترشيح العميد فؤاد الخوري، رئيس بلدية عين عكرين، في موقف مسؤول يعبّر عن تمسّكها بمنطق الشراكة واحترام الأعراف، في مقابل ترشيح الفريق الآخر مالك فارس، رئيس بلدية أميون، المدعوم من المردة والقومي.
رفضت القوات أن تدخل في بازار “العدد على حساب المبادئ”، ووقفت وحدها في وجه محاولة السيطرة، غير آبهة بالحسابات الضيّقة، بل حاملةً مشروعها الواضح وخيارها الذي لا يتبدّل. انتصرت في موقفها، قبل أن تنتصر في رقمها.
اليوم، لا يمكن الحديث عن الكورة من دون الاعتراف بأن القوات اللبنانية هي قوة ثابتة ومؤثرة، لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها. وما أظهرته في هذه الانتخابات يؤكد أنها تمثّل خيارًا سياسيًا حرًّا، قائمًا على الثقة المتبادلة مع الناس، لا على التحالفات الهشّة أو التموضعات الموسمية.
في الكورة، القوات لم تُهزم لأنها لم تتخلَّ عن نفسها. بقيت وفية لخطها، وخرجت من المعركة مرفوعة الرأس، مهما كانت الأرقام. القوات لا تقاس بمقاعد، بل بمواقف. والموقف هنا كان أقوى من أي رقم.