كتبت لينا البيطار: إنها المرة الثانية خلال أربع سنوات، وبعد انفجار مرفأ بيروت في العام 2020، التي يتكرّر فيها سيناريو “الجشع والطمع” اللامتناهي والمتفلّت من كل ضوابط من قبل مستوردي وتجار مواد البناء في لبنان خصوصاً مادتي الزجاج والألمينيوم، وذلك على خلفية حاجة السوق المحلية مع بدء ورش إعادة الترميم قبل إعادة الإعمار على نطاق واسع، من جراء الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمباني والمنازل إثر العدوان الإسرائيلي على لبنان والذي ” ما خلّى حجر عا حجر” في عدد كبير من المناطق.
قصة احتكار مادة الزجاج وتوابعها تبدأ في الواقع مع كبار المستوردين وعددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، إذ من المعروف أن مصانع الزجاج في لبنان على قلة عددها “هاجرت” منذ بدء الأزمة الاقتصادية بحيث أقفلت هذه المصانع بشقيها الحديث والتقليدي بعد أن رفعت الدولة الدعم عن المحروقات خصوصاً مادة المازوت لأن تشغيل الأفران الكبيرة يستهلك كمعدلٍ وسطي نحو 20 ألف ليتر من الفيول وطناً ونصف الطن من الغاز في اليوم، فيما تبلغ كلفة استهلاك المازوت نحو 10 الآف ليتر، ما جعل الاستثمارات بحكم الخاسرة في هذا القطاع، فشدّ أصحاب المصانع المختصة رحالهم ليهاجروا ويحطوا في عدد من الدول العربية، حيث التكلفة أرخص والتسهيلات متوافرة، علماً أن لبنان يستورد مادة الزجاج من مصر وأن المتر الواحد يكلّف المستورد “بأرضه” على ما يُقال 3 دولارات فقط فيما يُباع المتر للزبون بسعر يتراوح بين 25 و140 دولاراً، مع الإشارة الى أن الزجاج المصري ليس بجودة الصناعة المحلية، كما أن الاستيراد لا يقتصر فقط على مصر بل يتعداها الى تركيا والصين التي هي أكبر مصدر للزجاج في العالم بقيمة 26 مليار دولار أميركي سنوياً تليها ألمانيا ثم الولايات المتحدة الأميركية.
أما في قطاع صناعة الزجاج اليدوي، فلا تزال بعض المعامل والورش الصغيرة في طرابلس والشويفات وصور تعمل “بشَقّ النفس” لتحافظ على وجودها التراثي خصوصاً لناحية الصناعات الزجاجية Handmade مثل الأواني وملحقاتها، علماً أن تاريخ هذه الصناعة يتوغّل عمقاً الى الفينيقيين حيث تمَّ اكتشاف الزجاج بالصدفة على شواطئ الصرفند قبل نحو 1700 سنة.
في هذا السياق، كان لافتاً تدخّل وزارة الاقتصاد، عبر مديرها العام محمد أبو حيدر، الذي أحال بالأمس على النيابة العامة التمييزية لائحة تتضمن أسماء المستوردين والتجار الذين يتحكّمون بالسوق المحلية استيراداً وإحتكاراً ورفعاً للأسعار بشكلٍ متفلت، فهل سيتحرّك القضاء لوضع حدٍّ لجشع التجار المتمادي في كل مناسبة وفي بلد دائم التأزم؟