في 22 ايلول 2014 قال مندوب مدينة طهران في مجلس النواب الايراني علي رضا زاكاني المقرّب من مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي ان اربع عواصم عربية (بغداد، صنعاء، دمشق وبيروت) أصبحت اليوم بيد إيران وتابعة للثورة الاسلامية في ايران”.. وذلك عقب وقوع صنعاء بيد الحوثيين.
عندما تحدّث علي رضا زاكاني عن يد إيران المسيطرة على بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت، كان يقصد بها أيدي الجمهورية الاسلامية المسلحة الميليشياوية الخارجة عن قانون وسيادة دولة العراق واليمن وسوريا ولبنان عبر الحشد الشعبي وفصائله وانصار الله والفاطميون والزينبيون وعصائب اهل الحق وحزب الله… وغيرها من الأذرع المؤتمرة من الولي الفقيه والتي قوضت وما زالت تقوض استقرار تلك الدول بدرجات متفاوتة انطلاقاً من التطورات ونقاط التحول بعد حربي غزة ولبنان وسقوط بشار الأسد والضربات الاميركية المستجدّة والجديدة على الحوثيين واقترابها من الحافة القيادية الايرانية.
طرحت نقاط التحوّل في كل من غزة ولبنان وسوريا على العراق حتمية البحث بما بحثه وطالب به اللبنانيون منذ الانسحاب الاسرائيلي في 25 أيار من العام 2000 وتشددوا في المطالبة به بعد الانسحاب السوري في 26 نيسان 2005 وهو “حصر السلاح بيد الدولة” لتكون الفتوى الصادرة عن المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني في 4 تشرين الثاني 2024 ترجمة لارادة ورغبة غالبية شيعة العراق غير المرتبطة بإيران بحل ميليشيات هذه الأخيرة وتسليم اسلحتها للجيش العراقي الرسمي الشرعي اذ يقول السيستاني مؤيداً من زعيم التيار الوطني الشيعي مقتضى الصدر المرجع الشيعي كذلك “يجب حصر السلاح بيد الدولة وتحكيم سلطة القانون”، والحديث عن حصر السلاح بيد الدولة يعني الحديث بشكل رئيسي عن سلاح الفصائل المسلحة العراقية المقربة من إيران التي تطلق على نفسها إسم “فصائل المقاومة الإسلامية”.
يكاد النموذج العراقي يتطابق مع اللبناني من حيث الاسباب والنتائج من ناحية المطالبات المحلية والضغوط الخارجية المواكبة لـ”حصر السلاح بيد الدولة وحدها” وحل الميليشيات الرديفة المنافسة او التي تطرح نفسها بديلة تحت مسميات الهية مقاومة وشعبية، وتتحايل تلك الميليشيات للتملص من القرار المحلي المبدئي القانوني والدستوري والشرعي، مستغلة لوهج سلاحها التهديدي في القضاء والسياسة والعسكر للإبقاء على سلاحها المدمر لذاتها اولا وبالتالي لاوطانها واستلحاقا ونهاية بمحركها في قلب طهران على ما نراه ونسمعه ونشاهده من حشودات واستنفارات وتهديدات اميركية… فالحشد الشعبي في العراق شأنه شأن زميله الميليشياوي الحزب في لبنان يبذل الغالي والرخيص ويغامر بوطنه ومواطنيه من اجل الابقاء على سلاحه ولو انتفت علة وجوده المقاوم على ما تؤكده المستجدات الاخيرة وكما اعتبر امين عام الحزب نعيم قاسم في 9 آذار 2025: “ان لا علاقة للحزب بـ”حصرية الدولة لحمل السلاح”، يقول قائد عصائب اهل الحق قيس الخزعلي في 1 كانون الثاني 2025: “انا على استعداد أكون اول المبادرين بحصر السلاح كاملاً بيد الحشد الشعبي” وكأنه يحصر السلاح بالميليشيا لا بالدولة… ليوضح تمسكه او تمسك ايران الميليشياوي المدمّر بقوله في 16 شباط 2025: “أفضل طريقة للرد على من يريد استهداف الحشد الشعبي ونزع سلاح فصائله هي تصويت البرلمان على قانون الخدمة والتقاعد لعناصر الحشد، للتأكيد على استحالة نزع السلاح”.
ولفهم مآل محاولة التزاوج غير الشرعي والمستحيل بين الدولة العراقية ودويلة الحشد الشعبي العراقي-الايراني، نقف في 15 تشرين الثاني 2016 امام ما قاله نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم: “أصبح لدى الحزب جيش مدرب وأكثر تسليحا، ولم يعد يعتمد على أسلوب حرب العصابات”، ليشرح نائب الحزب حسين الموسوي في 31 تموز 2013 ردّاً على أصحاب شعار “بتحب الجيش سلمو سلاحك” مؤيداً سلاح الحزب متقدماً على جيش الدولة اللبنانية: “من المفيد ان نصحح للمتذاكين أصحاب شعار “بتحب الجيش سلمو سلاحك” فالشعار الصحيح الذي يجب ان يرفعه هؤلاء العقلاء المخلصون “بتحب لبنان سلح جيشو” ليصبح سلاح الجيش بعد ان يتسلح في تكامل سلاح المقاومة معه كأنه البنيان المرصوص…”
وكما التقى ما ورد في دستور الطائف وما تلاه من قرارات دولية واتفاق السابع والعشرين من تشرين الثاني 2024 لوقف اطلاق النار، وخطاب القسم لرئيس الجمهورية والبيان الوزاري لحكومة نواف سلام، ومواقف السياديين في حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، مع الارادة الدولية والادارة الأميركية لتطبيق ما ورد في هذا الشأن باللين او بالقوة، هكذا التقت تصاريح المسؤولين الرسميين والروحيين من كافة الطوائف بما فيها الشيعية، مع الضغوط الأميركية الغربية والعربية على كل من الحكومتين الايرانية والعراقية اذ يقول مستشار رئيس مجلس الوزراء العراقي ابراهيم الصميدعي في 18 كانون الاول 2024 داعياً “الفصائل” المسلحة: “أن يعيدوا التفكير بموضوع حل فصائلهم والاندماج بالوضع السياسي، وإلا فإن الحل سيُفرض بالقوة من الخارج بشكل أو بأخر”.
كما كشف رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني في لقاء تلفزيوني تاريخ 30 كانون الأول 2024: “تحدث بهذا الامر هاتفياً مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وأبلغه بضرورة العمل على حسم هذا الملف، بل أن ترامب، والحديث للمشهداني، وصف هذا الأمر بأنه “التزام” على الدولة العراقية بات واجب التنفيذ.
كما كشف المشهداني أن هذا الموقف أنتج “توجهاً عاماً” للدولة العراقية بضرورة حسم هذا الملف”… وفي 12 كانون الثاني 2025 أكد وزير الداخلية، عبد الأمير الشمري في مقابلة تلفزيونية مع العربية: “أن هناك إجماعاً من الحكومة والقوى السياسية والمواطنين على عدم السماح ببقاء السلاح خارج سيطرة الدولة… الوزارة حددت مراحل ومدة زمنية لعمل اللجنة العليا لحملة حصر السلاح بيد الدولة”.
و”عبثا يتعبُ” معرقلو بسط سلطة الدولة الشرعية الرسمية وحدها على كامل أراضيها انطلاقا من العراق وصولاً الى لبنان وبقية البلدان المنفكة عن سيطرة ايران.