تداعي أوراق النظام الإيراني الإقليمية: هل بدأ العدُّ العكسي لتصفية حماس؟ 

Iran flaagggg

في خضمّ التطورات التي تشهدها المنطقة ولا سيما منذ مطلع العام الحالي، وصولاً الى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، ارتسمت معالمُ حقائق إيرانية داخلية كانت لها اليد الطولى بالمساهمة في تحقّق أحداثٍ كثيرة داخل الجمهورية الإسلامية في إيران، وبقيت الى حدٍّ ما خفية أو بالأصح “مخفية” لا يعكسها الإعلام الداخلي، ولا يتكلّم عنها كثيراً الإعلام الخارجي .
 

قطبةٌ مخفية داخلية منذ اغتيال قاسم سليماني

بدايةً، دعونا نوضح أن ما نكتبه في هذا المقال ليس تحليلاً بقدر ما هو تجميعٌ لمعطياتٍ تحملُ على الاعتقاد بوجود “قطبة مخفيّة” في الوضع الإيراني الداخلي، ليس من أشهرٍ بل منذ اغتيال اللواء قاسم سليماني وصولاً الى اغتيال إسماعيل هنية.
هذه القطبة المخفيّة تجدٌ مصدرها في أمرٍ ما تحرّكَ داخل إيران منذ ما قبل اغتيال سليماني، واستمر فصولاً من الاغتيالات طالت في ما طالت فخري زاده كبير العلماء النوويين ومجموعة من العلماء والضباط في الحرس الثوري الإيراني الذين لقوا حتفهم في ظروف مجهولة – معلومة داخل إيران.

مصلحةُ إسرائيل في اخيتار السنوار

إذا تأملنا للحظة، سنصلُ حتماً الى المعادلة الآتية :
سقوط الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي المتطرِّف في مقابل صعود مسعود بزشكيان المعتدِل، وكذلك سقوط إسماعيل هنية في مقابل صعود يحيى السنوار، في  توقيتٍ واحدٍ هو أمرٌ مستغرَبٌ لا بدّ من أن يٌثير التساؤلات.
هنا، نودُّ لفت النظر الى أن مَن  يعتقد بأن وصول يحيى السنوار على رأس حماس ضربة لإسرائيل فهو مخطىء جداً لا لشيء سوى لأن إسرائيل على درايةٍ كاملةٍ بأن اغتيال إسماعيل هنية سيوصل يحيى السنوار الى رئاسة حماس لحكم غزّة، وهذا ما يصبُّ في مصلحة بنيامين نتياهو وحكومته المتطرّفة .

هل يقودُ السنوار حماس نحو المجهول؟!

منذ أشهرٍ عدة، رُسِمت معادلةٌ مفادها أن القيادة السياسة لحماس بات من الواجب إنهاؤها، تلك القيادة السياسية السابقة التي لعبت إسرائيل دوراً كبيراً في صناعتها لتعزيز الانقسامات وتعميقها  بين الضفة الغربية والقطاع، الى أن انتهى دورها وضَعُفَ بموازاة تراجع الدعم الدولي والعربي لحماس في غزّة،  لذا فإن إسرائيل لم تتفاجأ باختيار يحيى السنوار، هي التي أرادت وتمنّت وسعت الى إنهاء الوجه السياسي لحماس وقد اغتالت عائلة هنية، وبالتالي تمَّ اللجوء الى كافة السيناريوهات الممكنة لسحب لا بل لسحق  السياسيين في الحركة تمهيداً للإبقاء على  المقاتلين منذ 7 أكتوبر .
حماس بدورها، لم ترَ حاجة لسياسيين على رأس الحركة، ما سيؤدي الى تعزيز الإزدواجية داخل حماس بين الجناح السياسي المفاوِض والجناح العسكري المقاتِل، من دون أن ننسى بأن السنوار، الذي قضى زُهاء  23 عاماً في سجون إسرائيل ثم انتقل بعدها الى الأنفاق ولاحقاً الى قيادة حماس، بعيدٌ كل البعد عن التواصل مع العالم وبعيدٌ جداً عن أي تواصلٍ دولي، وهو عسكريُ الطبع والتطبّع ومنهمكٌ في المقاومة المسلّحة، ولم يُتح له امتلاك شبكة اتصالات إقليمية ودولية تعزّز مكانته ودوره في صميم الحركة السياسية، وبالتالي فإن رمي المسؤولية السياسية على السنوار لا هدفَ من ورائها سوى إنهاء الجناح العسكري لحماس، لا سيما وأن الأخير معروفٌ من قِبَل إسرائيل في أدق التفاصيل الشخصية، ولديها ضده ملفات ضخمة، ما دفع إسرائيل الى ترك السنوار لإكمال المسيرة باتجاه قيادة حماس نحو المجهول.

الى واقع فلسطيني جديد يتجاوزُ الخطوط الحمر

مع اغتيال إسماعيل هنية، تخلّصت إسرائيل من الوجه السياسي وبقي الوجه العسكري بلا غطاءٍ سياسي على أساس أنه الإرهاب، وعلى أساس إدانة المجازر التي تعتبر إسرائيل أنه ارتكبها في 7 تشرين الأول 2023 .
 وانطلاقاً من هذه المقاربة، وإذا نظرنا الى الواقع الحالي لحماس وتموضعها مع السنوار، فمن المتوقّع أن يحاول هذا الأخير إحكام قبضته على القرار الفسلطيني في غزّة وحتى في الضفة الغربية، وفق معادلة مفادها إما سيطرته المطلقة لتقسيم غزّة والحفاظ على دورٍ أساسي له فيها، أو فلتان كامل وإطلاق يده، خصوصاً وأنه يملك شعبيةً كبيرة في الضفة  الغربية، ما يساعده على محاولة إحكام قبضته عليها، مع ما يعنيه ذلك من استجرارّ لمواجهةٍ مباشرة مع حركة فتح،   ما يُكرّسُ واقعاً فلسطينياً جديداً يؤدي الى عمليات تتجاوزُ كل الخطوط الحمر الفلسطينية.

حقبة مناهضة العمامات السوداء في الداخل الإيراني

هذا في الشق المتعلّق بمصلحة إسرائيل من تزعّم السنوار لحماس، أما في الشق الإيراني حيث لإسرائيل مصلحة أيضاً، فتجب الإشارة الى أنه، ومنذ 2010 العام،  دخلت الميديا الى إيران وامتدّت واتسعت حتى العام 2020 حيث بدأت  بأخذ حيّزٍ واسعٍ لدى الرأي العام، حتى أن الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي قبل وأثناء فترته كان له نوعٌ من “القدسية” التي تنسحب على كل أصحاب العمامات السوداء، بالتوازي مع نمو وتطوّر طبقة كبيرة من المثقفين الإيرانيين والتقدّميين المناهضين للعمامات السوداء، ومن هنا نشأت إزدواجية سوسيولوجية إجتماعية سياسية في إيران، حيث أن المعمّمين أرادوا إدخال ثقافة اللطم والحزن الى الجامعات والمواقع المثقفة والتقدمية في المجتمع الإيراني، فيما المثقفين والليبراليين الإيرانيين  يريدون دولةً عصريةً متطوّرةً وعلمانية، ومن هنا بدايةُ الصراع الطبقي الذي استفحلَ داخل إيران وتجلّى في صدامات ومواجهات تخللتها اعتقالات وإقالات  في الجامعات والأندية الثقافية، مستهدِفةً المثقفين والشخصيات التقدّمية المؤثِرة، وحينها بدأت تتشكّلُ نواة ما يمكن تسميته ” بالدولة الموازية ” لدولة المعمّمين، حيث وصلَ نفوذ تلك الدولة الموازية الى طبقاتٍ اجتماعية إيرانية كبيرة أسهمت في تشجيع نشوء “دولة تحت الدولة” مؤلفة من العلمانيين والليبراليين والتقدّميين والمثقفين بموازاة الدولة الرسمية المتمثِّلة بآيات الله والمرشد علي خامنئي، الأمر الذي سهّلَ التعاون المصلحي بين تلك الطبقات الناقمة على النظام الإيراني و على أميركا والموساد، وباتت دولة المثقفين والليبراليين تتعاون معهم ضد الدولة الإمامية.

معادلة الاغتيالات وتوزيع الحصص المصلحية

ومع انطلاق مسلسل الاغتيالات في الداخل الإيراني، بدأت تتوزّعُ خارطة المصالح عن طريق الاغتيالات، فالدولة التي ظهرت بوضوحٍ في اغتيال فخري زاده وإسماعيل هنية مع استثناء قاسم سليماني الذي قتلته الولايات المتحدة الأميركية وزعت المصالح من خلال هذه الاغتيالات على الشكل الآتي :

-اغتيال قاسم سليماني حاجةٌ أميركيةُ بتنفيذٍ أميركي ساعدت الدولة الموازية على تحقيقه.

-اغتيال إسماعيل هنية كان هدف الدولة الموازية بمساعدة الولايات المتحدة والموساد على تحقيقه.
 
من هنا، ارتسمت معادلةٌ جديدة مفادها : في مقابلِ كل اغتيال تقوم به الدولة الموازية، ثمة اغتيالٌ تقوم به أميركا وإسرائيل من خلال العملاء الذين ينتمون الى تلك الدولة الموازية من الداخل الإيراني، وهذا التعاون استمر في الاغتيالات وتوزيع الحصص الى أن وصلنا الى اغتيال إسماعيل هنية، حيث أيقنت دولة الخامنئي أن ثمة دولة موازية داخل إيران  يجب على الدولة الملالية أن تعمل على تقويضها.

سيناريوهات انتفاضة الدولة الموازية

قاسم سليماني اغتالته الولايات المتحدة بتاريخ (3/1/2020 ) والدولة الموازية اغتالت فخري زاده في 27/11/2020 من العام نفسه … مصادفةٌ غريبة …
 إسرائيل طلبت رأس هنية وحصلت عليه،  والدولة الموازية اليوم تطلبُ رأس  مجتبى خامنئي (الحلقة الوحيدة القوية الباقية لنظام الملالي) تمهيداً للقضاء على النظام الديني وإنهاء مشواره من الداخل .
 هذه الحسابات والمصادفات الغريبة تبقى الى الآن ضمن إطار الاحتمالات، لكن يجدرُ عدم إهمال أخذها بالاعتبار، فكثيرٌ من الأحداث داخل إيران وخارجها يمكن أن تحصل  ولو بعد حين، إلا أن المشهدية الموصوفة أعلاه تبقى ممكنة وقبالة للوجود.
 قد تكون إيران اليوم دولتين في دولة واحدة : دولة الواجهة الدينية ودولة موازية مناهِضة تماماً للأولى تعملُ في الكواليس، ومن الغني عن
 القول إن إسرائيل تريدُ الانفراد بالنفوذ الإقليمي، أي أنها تعمل على انهيار كل المنظومات الإقليمية الإيرانية بقياداتها ورموزها وتأثيراتها، كما تعملُ على قصقصة أجنحة الدولة الإيرانية والضغط عليها ب”دولة في قلب دولة”، انطلاقاً من الخلاف لا بل المنافسة بين إسرائيل والنظام الإيراني على النفوذ في الشرق الأوسط، بحيث لا يمكن لإسرائيل أن تسمح لإيران بأن تكون منافساُ نديّاً لها بهدف مزاحمتها في السيطرة على المنطقة، لأن التخادم بينهما يقفُ عند عدم السماح لإيران بتهديد سيطرة إسرائيل على معادلات المنطقة،
 فهل يمكن أن نكون قد دخلنا في مرحلة الإعداد إقليمياُ للقضاء على منافس إسرائيل تمهيداً لتوسّعها في مرحلة مقبلة بحسب رؤية اليمين المتطرّف ؟
هي احتمالاتٌ واردة، لكن الأكيد أن تطور الأحداث منذ اغتيال هنية وانفراط عقد القيادة السياسية لحماس والإتيان بيحيى السنوار رئيساُ لحماس، كل هذه الأمور تفتحُ الأفق لإنهاء حماس عسكرياً بإرادة إسرائيلية- أميركية- خليجية- عربية جامعة، تمهيداً لمحاصرة إيران والتغلّب على ورقتها الفلسطينية لإنهاء نفوذها على تلك القضية ولو بسيناريوهات دموية ومأساوية.
 
في المحصّلة: حماس انتهت سياسياً واختيار السنوار لرئاستها بحالتها الراهنة وحالته هو أيضاً كي يقود اللعبة التي تتوافق مع مصلحة إسرائيل بقيادة المرحلة المقبلة باتجاه ختام مسلسل حماس في غزة والضفة.
 يبقى أن التوقيت المناسب هو الذي يقرّرُ سيناريوهات الغد لحماس … وسيناريوهات انتفاضة الدولة الموازية في إيران وخارجها …

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: