تشهد الساحة العراقية خلال الأيام الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الدعوات الشعبية المطالبة بتحييد العراق عن الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، وتحريره من النفوذ الإيراني المتغلغل في مفاصل السياسة والاقتصاد والمجتمع.
وتأتي هذه المطالبات في وقت تتسارع فيه التطورات العسكرية في المنطقة، مما يثير مخاوف العراقيين من تحويل بلادهم إلى ساحة صراع بالوكالة.
وفي ورقة بحثية وضعها مركز رصد في لندن ناقشت هذه الظاهرة، بات واضحا أنه وفي مدينة كركوك شمالي العراق تحديدا تم توثيق مقاطع فيديو احتجاجات ومظاهر رفض متزايدة للتدخل الإيراني، فيما أظهر فيديو آخر من جنوب البلاد امتناع عدد من الأسواق والمحلات عن التعامل بالريال الإيراني، في خطوة رمزية تعبّر عن الانفصال الاقتصادي والاجتماعي عن الجارة الشرقية التي طالما استثمرت في ضعف العراق لإحكام سيطرتها عليه، كما يرى المحتجون.
يرى كثير من العراقيين – خاصة من خارج التيارات الموالية لطهران – أن إيران استغلت العراق لعقود بوصفه “الحديقة الخلفية” لمشاريعها الإقليمية. ويشكو هؤلاء من أن طهران تدير عبر ميليشياتها السياسية والعسكرية شبكات نفوذ تتحكم في قرارات سيادية وتمتص الموارد الاقتصادية، بينما يعيش ملايين العراقيين في ظروف صعبة.
كما تشير التقديرات إلى وجود مئات الآلاف من الإيرانيين العاملين داخل العراق، في قطاعات مختلفة، ما يعتبره البعض أحد أشكال “الهيمنة الناعمة” التي تُبقي العراق سوقاً مفتوحاً أمام الاقتصاد الإيراني المنهك بفعل العقوبات.
ويقول ناشطون عراقيون إن تراجع قيمة العملة الإيرانية مؤخراً، والانشغال الإيراني بالحرب ضد إسرائيل، يجب أن يُستثمر عراقياً كفرصة تاريخية لإعادة التوازن للقرار الوطني، والتخلص من الارتباط العضوي بإيران.
وتعكس هذه التحركات الشعبية اتجاهاً جديداً في المزاج العام العراقي، مفاده أن بقاء النفوذ الإيراني داخل البلاد لم يعد محتملاً، خاصة في ظلّ تصاعد الغضب الشعبي، وظهور رغبة واضحة في “استعادة الاستقلال الوطني”.
ويُجمع مراقبون على أن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في رسم شكل العلاقة العراقية-الإيرانية، وسط تنامي المطالبات بسياسة “النأي بالنفس” عن الصراعات الإقليمية، ورفض استخدام الأراضي العراقية منطلقاً لأي عمل عسكري أو سياسي يخدم أجندات خارجية.