تطوّرات أمنيّة في السويداء: بوابة تقسيم وفوضى مدروسة!

suwayda2 4

تشهد محافظة السويداء في جنوب سوريا موجة متصاعدة من العنف والانتهاكات، وسط حالة من الغليان الشعبي والتوتر الأمني، ما بات ينعكس بشكل مباشر على الساحة اللبنانية، وتحديدًا في المناطق ذات الغالبية الدرزية. وقد سُجّلت اليوم دعوات رسمية وواسعة لتنظيم وقفات تضامنية في لبنان دعمًا لأهالي السويداء، ما يعكس حساسية الموقف وتشابك الأزمات السورية واللبنانية في بيئة طائفية وسياسية مترابطة، خاصةً وسط معلومات من شهود عيان، ومقاطع فيديو، وصور انتشرت عن إبادة لعائلات، وإهانات للمقامات الدينية، والمشايخ، وقتل للأطفال، واعتداءات على النساء، وسبي لحرمات المنازل، الأمر الذي كان له وقع كبير على طائفة الموحّدين الدروز في لبنان.

وللحديث عن هذه التطوّرات الميدانية والسياسية، عبّر الدكتور وليد صافي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، في حديث خاص لموقع "LebTalks"، عن قلقه الشديد حيال ما تشهده محافظة السويداء من أحداث دامية تستهدف المدنيين، مؤكّدًا أن ما يجري يطرح علامات استفهام كبرى حول مستقبل الدولة السورية وقدرتها على استيعاب مكوّناتها.

ارتكابات تهدّد بقاء الدولة

أكّد الدكتور صافي على إدانته الصريحة لـ"الارتكابات المروّعة" التي يتعرض لها المدنيون في السويداء، مشيرًا إلى أن "هذه الانتهاكات لا يمكن السكوت عنها، لأنها تهدّد أمن الجبل، وتطرح تساؤلات عديدة حول هذا المناخ من التطرّف والأحقاد". وأضاف: "ما يجري يثير تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة مؤسسات الدولة، لا سيما وزارتي الدفاع والداخلية، على ضبط الأمن وحماية المواطنين، فهل من ينفّذ هذه الجرائم هم عناصر خارجة عن القانون، أم عناصر تعمل ضمن الأجهزة النظامية؟"

وفي هذا السياق، شدّد على أن "أي تورّط رسمي في هذه المجازر يعقّد المسار السياسي بشكل كبير، ويقوّض إمكانية بناء الثقة مستقبلًا"، محذرًا من خطورة ترك الأمور تنزلق نحو العنف الممنهج دون محاسبة.

لا حلّ إلا في السياسة... لكن من أين يبدأ؟

ينطلق الدكتور صافي من قناعة راسخة بأن "الحل السياسي هو المخرج الوحيد من الأزمة السورية، لا الأمني ولا العسكري"، مؤكّدًا أن الأزمة في جوهرها سياسية وليست أمنية، وما ينعكس على الأرض من توترات ومواجهات هو نتيجة مباشرة لانسداد هذا الأفق.

ويقول: "المطلوب أولًا من النظام السوري أن يُظهر فعلًا، لا قولًا، أنه قادر على حماية المواطنين، وأن يوفّر شروط الاندماج السياسي الحقيقي للدروز في الجبل ضمن مؤسسات الدولة السورية الجديدة، بشكل يحترم خصوصيتهم وكرامتهم، ويضمن أمنهم وشراكة حقيقية". ويضيف: "في المقابل، على القوى الفاعلة داخل الجبل أن تدرك أن أي خيار بديل، كالأمن الذاتي أو النزعات الانفصالية، سيكون مكلفًا وخطرًا على المدى القريب والبعيد، وقد يدفع بسوريا إلى مزيد من الفوضى".

ويلفت د. صافي إلى أن المشهد في السويداء يعكس تعقيدًا سياسيًا ناتجًا عن غياب شروط الاندماج، وتنامي أفكار الأمن الذاتي أو الابتعاد عن الدولة المركزية، وهو ما يعزّز فرص التدخل الخارجي، إذ يقول: "يجب أن نتنبّه إلى أن إسرائيل تسعى لإشعال فتنة طائفية في سوريا ولبنان، وهي تراهن على تفكيك النسيج الوطني عبر خلق شرخ بين الدروز والسنّة، وها نحن نراها اليوم تستغل هذه الاشتباكات للدخول أكثر، واستخدامها كذريعة للتوسّع خدمةً لمصالحها"، مشددًا على أن "لا مصلحة للدروز في الانجرار إلى هذه الفتنة، بل عليهم الالتفاف حول المواقف العقلانية التي يعبّر عنها الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، والتي تدعو إلى الحل السياسي والانخراط في الدولة السورية بدل التمرّد عليها".

محاسبة المرتكبين... شرط الثقة والحل

بحسب الدكتور صافي، فإنّ أي حديث عن حلّ سياسي يجب أن يترافق مع خطوات جادّة لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين. ويؤكد: "العدالة هي المدخل الطبيعي لأي تسوية، ولا يمكن الحديث عن بناء ثقة من دون توقيف المرتكبين وإحالتهم إلى القضاء المختص. فالمجازر التي شهدتها السويداء يجب أن تُقابل بردّ حازم من مؤسسات الدولة، لا بالتجاهل، ولا بمقولة ’عفا الله عمّا مضى".

ويضيف قائلًا: "الحل لا يمكن أن يأتي إلا من الدولة السورية أولًا، ومن القوى الإقليمية التي لها تأثير في الداخل السوري ثانيًا. المطلوب من دمشق اليوم خطوات جديّة لاحتواء الأزمة، تبدأ بالمحاسبة، وتُستكمل بتقديم رؤية واضحة للاندماج السياسي والاجتماعي لجميع مكونات الشعب السوري، وفي مقدّمتهم دروز الجبل".

كما دعا في المقابل الفاعليات في السويداء، من رجال دين ومجتمع مدني وحقوقيين، إلى صياغة مشروع سياسي توافقي يعبّر عن تطلعات الناس، ويندرج ضمن المسار الوطني لبناء سوريا موحّدة، مؤكّدًا أن "أي خيار آخر سيضع الدروز في مواجهة مع أنفسهم ومع محيطهم، وقد يفتح الباب أمام مشاريع تقسيم تستغلّها إسرائيل لأهدافها الخاصة، وليس لحماية الأقليات كما تدّعي".

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: