إذا كان لبنان الرسمي والشعبي منشغلاً في الأيام القليلة الماضية بالأجواء الإنتخابية البلدية والإختيارية لمحافظة جبل لبنان، إلا أن العالم من إعلام عالمي ودول غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا لم تركز كثيراً على الإنفجارات الغامضة والمبهمة والحرائق “بالجملة” التي اندلعت وحصلت في مدن إيرانية عدة من ميناء بندر عباس إلى مدينة كاراش وما بينهما.
الحقيقة أن ما حصل خطير وخطير جداً على إيران والمنطقة والعالم لأن الأحداث التي سجلت في الداخل الإيراني دلت على أمرين أساسيين بالغي الخطورة:
الأول مدى القدرة التخريبية لإسرائيل وتنفيذها عمليات ضرب وحرق موانئ ومراكز إقتصادية إيرانية دقيقة وهامة والثاني المستوى الذي وصلت إليه قدرة إيران النووية.
نقول هذا لأن ما حصل من تفجيرات وحرائق ليس محض صدفة ولا تزامناً قضاءً وقدراً، ولو أن القيادة الإيرانية والسلطات الإيرانية قد أحجمت عن توجيه أصابع الإتهام علناً كما تفعله بالعادة باتهام إسرائيل بالقيام بأعمال تخريبية في الداخل الإيراني، إلا أن هذه المرة حتى السلطات الإيرانية لم تسترسل في اتهام مباشر لإيران.
القضية مريبة: لا إسرائيل تبنت علنا الأعمال التدميرية في إيران، ولا إيران اتهمت إسرائيل بوقوفها وراء تلك الأعمال ولا الأميركيين والأوروبيين علقوا على ما حصل والطامة الكبرى أن حتى الإعلام العالمي لم يتعمق في تلك الأحداث وهو الذي درجت عادته على استثمار أي حدث امني او استخباري او عسكري او نووي لممارسة الضغوط وإمطار الرأي العام بالتحاليل والمعلومات.
ثمة قطبة مخفية وراء كل هذا: فإذا أخذنا بالإعتبار تعثر المفاوضات الأميركية الإيرانية وآخر تداعياته تأجيل الجولة الرابعة من المحادثات، وإذا تم النظر إلى الحنق الإسرائيلي من رفض انصياع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوجهة نظر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لضرورة ضرب البرنامج النووي الإيراني لا التفاوض عليه علماً أن وجهتي نظر الرجلين متفقتين على ضرورة منع إيران من امتلاك القنبلة النووية، واذا أضفنا إلى العاملين أعلاه عاملاً آخراً ألا وهو الإصرار الإيراني على الحق في امتلاك الطاقة النووية وأضفنا الإنفجار الضخم الذي وقع في محطة للطاقة في مدينة كراج الإيرانية والذي بلغت قوته ٤ درجات على مقياس ريختر للزلازل، يمكن أن نصل إلى الإستنتاجات التالية:
الأول أن من نفذ الضربات الأخيرة في إيران هي إسرائيل انطلاقاً من رغبة تل أبيب بضرب العمق الإقتصادي الحيوي لإيران طالما أن واشنطن لم تسمح بعد بضرب البرنامج النووي الإيراني.
الإستنتاج الثاني، أن إيران وأمام التعثر في المفاوضات مع واشنطن والقلق من التأثير الإسرائيلي على قرار المفاوض الأميركي، قد تكون، ونقول قد تكون قد أقدمت على إجراء أول تجربة نووية في كراج كرسالة إلى الأميركي وعبره إلى الإسرائيلي، تؤكد جهورية إيران للمواجهة وقد أصبحت دولة نووية.
وعلى الأرجح وإذا صحت قصة التجربة النووية في كراج، فهي قد تكون فشلت ما أدى إلى سقوط ضحايا وارتجاج الأرض كزلزال دون ظهور آثار إيجابية للتفجير النووي.
الإستنتاج الثالث، أن الولايات المتحدة التي دعمت النظام الإيراني منذ العام ١٩٧٩ ليست هي من ستضرب إيران إذا فشلت المفاوضات بل إسرائيل عندما تأذن لها واشنطن، وهو الأمر الذي يبدو خياراً مطروحاً إنما مؤجل التنفيذ.
وفي خضم كل هذا يبقى السؤال عن الدور العربي والخليجي تحديداً في مواجهة الصراع النووي بين إيران وأميركا وإسرائيل. فهل يبدأ العرب سباق تسلح نووي في المنطقة أم أن رؤية الإعمار والتطوير والإقتصاد والتجارة الإقليميين ستطغى على لغة العنف والقوة النووية والحروب لدى القادة العرب؟
الأمر شبه المؤكد أن لا واشنطن ولا تل أبيب يهمهما رؤية العرب يمتلكون القنبلة النووية ولعل هنا يكمن سبب التغاضي الإعلامي الغربي وعواصم القرار العالمي عن الحديث عن التجربة الإيرانية والإستنكاف الأميركي ربما عن ضرب البرنامج النووي الإيراني في هذه المرحلة لقطع الطريق أمام توجه العرب نحو النووي العربي ولديهم الإمكانات والقدرات إن أرادوا.