تعدّد الثقافات في رسالة البابا.. هل هي فرصة جديدة للبنان؟

WhatsApp Image 2025-12-02 at 13.04.51_8c5b4fe5

خلال زيارته التاريخية إلى لبنان، أعاد البابا لاوون الرابع عشر إحياء النقاش حول معنى التعدّدية الثقافية ودورها في بناء مجتمعات أكثر إنسانية وانفتاحاً. وفي بلد يقوم على فسيفساء واسعة من الهويات والانتماءات، بدت رسائل البابا وكأنها موجّهة مباشرة إلى الواقع اللبناني، حيث يتداخل التنوّع مع السياسة وتتشابك الخصوصيات مع هواجس الجماعات.

فقد ركّز البابا في خطابه على أنّ التعدّد ليس خطراً على المجتمعات، بل هو مصدر غنى روحي وثقافي شرط إدارته بحكمة. ووفق رؤيته، يقدر لبنان أن يتحوّل إلى نموذج عالمي إذا ما استطاع صوغ صيغة تعايش تعترف بتنوّع مكوّناته وتمنحها القدرة على التعبير عن ذاتها ضمن دولة واحدة قوية.

وفي هذا السياق، يوضح البروفيسور إيلي إلياس لموقع LebTalks أنّ هذه الرؤية لا يمكن أن تتحقق من دون اعتماد نظام لامركزي فعلي. فاللامركزية، كما يقول، ليست مجرد خيار إداري، بل آلية لتحويل التعدّد من مصدر توتر إلى عامل استقرار، إذ تمنح كل منطقة القدرة على إدارة شؤونها التربوية والثقافية والإنمائية من دون أن تشعر أي جماعة بالخوف من هيمنة أخرى. وبهذا، يصبح التنوّع طاقة بنّاءة بدل أن يكون شرارة خلاف دائم.

وانطلاقاً من تركيز البابا على كرامة الإنسان، شدّد على دور الكنيسة في تعزيز الحوار والوساطة في بلد تتقاطع فيه الأزمات السياسية والاجتماعية. ويشير إلياس إلى أنّ الكنيسة تمتلك شبكة واسعة من المؤسسات والخبرات التي تجعلها مؤهلة لتقريب المسافات بين المكوّنات اللبنانية، خصوصاً عندما تقترن هذه المبادرات بحوكمة محلية فعّالة.

ويرى أن اللامركزية تمنح المجتمعات قدرة أكبر على المبادرة، ما يسمح للكنيسة والمؤسسات المدنية بأن تبني الثقة "من القاعدة إلى الأعلى"، بدل انتظار حلول مركزية غالباً ما تتعثّر.

ومن ركائز رؤية البابا أيضاً العدالة الاجتماعية بوصفها البنية الأساسية لأي تعددية ناجحة. وفي لبنان، حيث تتداخل التفاوتات الاقتصادية مع الانقسامات الطائفية، يؤكد إلياس أن تحقيق العدالة يمرّ عبر إعادة توزيع الموارد والفرص بعيداً عن احتكار المركز.

فالقرارات الإنمائية المحلية، إذا وُضعت في يد المناطق مباشرة، تساهم في معالجة أسباب الحرمان والإقصاء التي غالباً ما تُغذّي التوترات الطائفية. وهكذا يتحول التعدّد إلى بيئة طبيعية لا تنتج صراعاً بل شراكة.

أما مبدأ التضامن الذي شدّد عليه البابا، فيراه إلياس فرصة للبنان كي يحوّل تعدّد الثقافات إلى مصدر إبداع. فالتضامن، وفق هذه الرؤية، لا يعني ذوبان الهويات، بل تكاملها. واللامركزية هنا تصبح مساحة للتعاون بين المناطق في مشاريع ثقافية واقتصادية وتربوية مشتركة، تخلق شبكة تضامن يومية تُترجَم إلى تنمية حقيقية لا إلى خطاب عاطفي فقط.

اذا، بين رسالة البابا لاوون الرابع عشر ورؤية الخبراء اللبنانيين، يبدو أنّ لبنان يقف أمام لحظة مراجعة حقيقية: إمّا أن يعيد اكتشاف قوته في تنوّعه وإدارته الذكية، أو يبقى أسير الصراعات القديمة. وفي زمن يبحث فيه العالم عن نماذج جديدة للعيش المشترك، قد يتمكن لبنان، إذا ما التقط هذه الفرصة، من أن يقدم مثالاً نادراً لما يمكن أن تصنعه التعدّدية حين تُدار بالعدالة والتضامن والانفتاح.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: