يتجاوز الجدل القائم حول مشروع تعديل قانون الانتخابات النيابية حدود الخلاف السياسي التقليدي، ليطرح إشكاليات دستورية وقانونية جدّية في ظل مهل داهمة تحكم الاستحقاق الانتخابي المقبل. فالتعاطي من قبل رئيس المجلس النيابي مع مشروع القانون المعجّل الوارد من الحكومة لم يعد مسألة تقنية، بل بات يمسّ جوهر الانتظام الدستوري وآليات العمل البرلماني في البلاد.
أحالت الحكومة مشروع تعديل قانون الانتخاب بصفة المعجّل استناداً إلى اعتبارات واضحة، أبرزها ارتباط البتّ به بمهل دستورية لا يمكن تجاوزها، وفي مقدّمها انتهاء ولاية مجلس النواب الحالي، إضافة إلى المهل التي ينص عليها قانون الانتخاب لتقديم الترشيحات وتشكيل اللوائح وتنظيم العملية الانتخابية. ومع اقتراب هذه المواعيد، يصبح أي تأخير في مسار المشروع عاملاً مباشراً يهدّد إجراء الانتخابات ضمن الأطر القانونية السليمة.
وبحسب النظام الداخلي لمجلس النواب، تخضع مشاريع القوانين المعجّلة لآلية محدّدة، إذ يكون دور اللجان النيابية فيها مقيَّداً بمهلة زمنية لا تتجاوز خمسة عشر يوماً. وبعد انقضاء هذه المهلة، يُفترض إحالة المشروع فوراً إلى الهيئة العامة وإدراجه على جدول أعمالها، باعتبار أن صلاحية القرار النهائي تعود حكماً إلى الهيئة العامة، أياً كان المسار الذي سلكه المشروع داخل اللجان.
غير أنّ تجاوز هذه القواعد، أو إبقاء المشروع في دائرة المماطلة بعد انتهاء المهلة القانونية، يشكّل مخالفة صريحة للنظام الداخلي للمجلس وضرباً للمهل الدستورية. كما يُعدّ ذلك تجاوزاً لدور المجلس النيابي كمؤسسة دستورية يُفترض أن تكون ساحة لحسم الخلافات عبر التصويت والاحتكام إلى الآليات الديمقراطية، لا عبر التعطيل أو فرض الأمر الواقع.
ويحذّر متابعون من أنّ ما يجري لم يعد مجرّد اختلاف في تفسير النصوص، بل تحوّل إلى تعطيل منظّم للعمل البرلماني، ينعكس سلباً على الأسس الديمقراطية التي يقوم عليها النظام اللبناني. فتعليق الاستحقاقات أو ضرب مهلها لا يفرغ المؤسسات من دورها فحسب، بل يفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها، ويحوّلها إلى ممارسة شكلية بلا جوهر.
وفي ظل هذا الواقع، يرى مراقبون أنّ استمرار رئيس المجلس النيابي نبيه بري في هذا النهج يهدّد الانتخابات النيابية في حدّ ذاتها، ويُكرّس منطق اللادولة، حيث تُدار الاستحقاقات الدستورية وفق حسابات سياسية ضيّقة، على حساب القواعد الدستورية والحقوق الديمقراطية للمواطنين. من هنا، تبرز الحاجة إلى مقاربة هذا الملف من زاوية دستورية وقانونية بحتة، بما يضمن حماية الدستور، وصون الانتظام العام، والحفاظ على حق اللبنانيين في انتخاب ممثليهم ضمن المهل القانونية.