“أنّ مهاجم السفارة الأميركية نقلَ متفجّرات من مجدل عنجر إلى عوكر وقد اجتاز حواجز عدة وهذا مستغربٌ، نبحثُ عن الجهات التي تقف وراء الهجوم”.
لم يكن استغراب وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي في الخامس من حزيران الجاري “مستغرَباً” من العامة والخاصة، ولن يكون مستغرباً كذلك مسارعةُ “القوى الممانعة” في الدولة وخارجها على تبنّي فرضية الداعشية والأصولية والتكفيرية لنَسَب المهاجم الذي صُدِفَ أنه يحملُ صفة وجنسية نازح سوري.
إنّ استغراب وزير الداخلية له ما يبرّره أمنياً ومنطقياً، تماماً كما كان مبرَّراً ومنطقياً استغراب اللبنانيين والمسيحيين والقواتيين في 9 نيسان 2024، من اجتياز المسلحين خاطفي وقاتلي المسؤول القواتي باسكال سليمان، والذين صُدفَ أيضاً بأنهم سوريون، لمئات الكيلومترات وعشرات الحواجز من ميفوق الى الداخل السوري مع جثة المغدور، وطبعاً يكون مبرَّراً ومنطقياً المطالبة بالكشف عن مَن هم حقيقةً خلف حادثتي عوكر وميفوق.
في البحث عن “حقيقة مَن هم خلف الحادثتين”، من المفيد التوقّف عند سوابق الممانعة في التعامل مع أحداثٍ مماثلة في التحضير والتنفيذ والاستغلال، هادفةً الى حَرف الاتهامات عن حقيقة المرتكبين أو مَن وراءهم تحت “شمّاعات” القاعدة والتكفيريين والنازحين.
قبل القبض عليه في 9 آب 2012 متلبّساً بنقل المتفجّرات من سوريا الى لبنان لتفجيرها لاحقاً باللبنانيين الآمنين، قال ميشال سماحة في 2 كانون الثاني 2012 “إن هناك وجوداً لتنظيم القاعدة في لبنان وإن جهةً رسميةً تغطيه”، لتنقل صحيفة “الرأي الكويتية” في عددها الصادر في 10 آب 2012 عن مراسلة أميركية قولها:”سماحة أنذرني بأن القاعدة تُحضّر لتفجيرات في لبنان”، وكان رئيس كتلة الحزب النائب محمد رعد قد قال يوم توقيف سماحة بالجرم المشهود “لن نسكت على اعتقال الوزير المقاوِم ميشال سماحة”.
في موضوع “القاعدة” و”التكفيريين والإرهابيين” أيضاً نعود الى ما بثّه التلفزيون الرسمي العراقي في 30 آب 2009 من اعترافات لـ”متشدّدٍ” يُشتبه بانتمائه الى تنظيم القاعدة يتّهمُ فيها ضباط مخابرات سوريين بتدريب مقاتلين أجانب في أحد المخيمات قبل إرسالهم للقتال في العراق، كما نعود الى البيان الصادر في 31 آب 2009 عن مكتب رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي والذي وردَ فيه أن العراق قدّمَ لسوريا منذ عام 2004 وثائق وأدلة على أنشطة “الإرهابيين” وطرق تسلّلهم عبر الأراضي السورية وتلقّيهم للدعم اللوجستي من المخابرات السورية”، ونعود الى تأكيد المالكي في 20 تشرين الأول 2009 بأن “كل ما يحصل ضد العراق منذ 2003 ينطلقُ من سوريا والذين يقومون بـ”العمليات الإرهابية”يتّخذون من الأراضي السورية منطلقاً ومراكز تدريب وتأهيل ويتحرّكون علانية”.
كما نعود، وفي نفس إطار ما بدأه النظام السوري ومخابراته في العراق منذ العام 2003 الى يوم 31 أيار من العام 2011، تاريخ صدور مرسوم العفو الرئاسي الذي حمل الرقم 61، الذي وقّعه الرئيس بشار الأسد وأطلق معه مئاتٍ من المحكومين المجرمين، وكان من بينهم قادة لجماعات متطرّفة “تكفيرية” (كأحرار الشام وجبهة النصرة التي أصبحت “هيئة تحرير الشام”)، وقيادات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) من أبرزهم علي الشواخ المعروف بإسم أبو لقمان (داعش)،الذي أصبح والي الرقّة عاصمة التنظيم في سوريا، والمسؤول عن عدد من عمليات قطع الرأس، والمساهِم بعمليات تمويل التنظيم… وأبو مالك التلة (داعش) وأبو محمد الجولاني(النصرة) ونديم بالوس(داعش) وبهاء الباش(النصرة) وقائد جيش الإسلام زهران علوّش وحسان عبود أحد زعماء “أحرار الشام” وأحمد عيسى الشيخ أحد قادة ألوية “صقور الشام”… وغيرهم ممَن شكّلوا الشمّاعة التي عُلِقت عليها كل الموبقات والجرائم والتفجيرات والاغتيالات.
نصل الى الخامس من حزيران من العام 2024 وحادثة إطلاق النار على السفارة الأميركية في عوكر لنعود الى ما سبقها بيومٍ واحدٍ ونقرأ في صحيفة ممانِعة في الرابع من الجاري تحت عنوان “القوات تدس في واشنطن”: “إن القوات تستغل النازحين وأزمتهم للتحريض على حزب الله”، كما تحدّثت الصحيفة الممانِعة عن لقاءات بين قواتيين وسوريين معارضين”،
لتأتي حادثة السفارة بالشكل والمضمون والمقدمات وما تلاها ومحاولة الاستثمار وحَرف الاتهام شبيهةً ومطابقةً لمتفجّرات سماحة في 2009 وما سبقها من مقدّمات، والمسلحين “الإرهابيين” المنطلقين من مراكز التدريب في سوريا منذ 2003 وما لحقها من عمليات ومرسوم بشار بإطلاق التكفيريين في 2011، وتركيب اغتيال باسكال سليمان بالشكل الذي رُكِّب فيه في2024، ولتؤدي الى نتيجة واضحة معروفة ومسموعة و”معزوفة” على أيدي وإيقاع الممانعة والممانعين على ما عرضنا.