حقائق صادقة قبل انهيار الأمل بدولة

lebanon

بداية، دعونا نؤكد دعمنا للعهد الجديد، ولفخامة رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، ولرئيس الحكومة نواف سلام، في جميع مواقفهم السيادية والوطنية. كما نعلن تأييدنا للمرحلة الجديدة التي دخلها لبنان، وهي مرحلة لا تخص لبنان وحده، بل تطال دول المنطقة كافة، وما على لبنان سوى اللحاق بالركب، إذا كُتب له ذلك.

هذا الدعم للعهد والحكومة والمرحلة الجديدة يجب أن يُبنى لا على المشاعر الشخصية والمواقف العاطفية في الشأن العام، بل على قاعدة: “الصديق هو من يصدق صديقه، لا من يصدّقه (بتشديد الدال) في كل ما يقوله ويفعله”.

من هذا المنطلق، اسمحوا لنا بقول الحقائق التالية:

الحقيقة الأولى:

حتى الآن، لا يزال حزب الله هو الحاكم الفعلي من وراء الكواليس، ويتجلى ذلك في:

تعيين مستشارين مقرّبين منه في مواقع حساسة في الدولة (وإن كنا نتفهم الخلفية السياسية لذلك).

تجنّب الحكومة الخوض في ملف سلاح الحزب، وتحويل الانتباه إلى ملف سلاح المخيمات الفلسطينية.

غياب أي حوار جدي بين العهد والحزب حول تسليم السلاح، والاكتفاء بالاتصالات الشكلية والاجتماعية.

التشكيلات العسكرية والأمنية التي يظهر فيها، في بعض جوانبها، تأثير واضح للحزب.

استمرار الرئيس نبيه بري بفرض شروطه في التعيينات القضائية، لا سيما في ما يخص تعيين المدعي العام المالي، بالإضافة إلى إدارة ملف الإعمار وفقًا لتوجيهات “الثنائي الشيعي”.

ونحن لا نرغب بالدخول في تفاصيل تصرفات الجيش اللبناني، الذي نجلّ ونحترم، ونحرص على صدقيته وقدسية مهمته الوطنية، إلا أننا نتحفظ على بعض مواقف قيادته الجديدة، التي تبدو متماهية أكثر من اللازم مع روايات الحزب، خاصة في موضوع القصف الإسرائيلي للضاحية الجنوبية. وللحديث تتمة لاحقًا.

الحقيقة الثانية:

نوجه نصيحة إلى فخامة الرئيس العماد جوزف عون، الذي نحرص على نجاح عهده وتنفيذ خطاب القسم بحذافيره، وقد وعد الشعب اللبناني بمحاربة الفساد وتعيين الشخص المناسب في المكان المناسب.

ننصحه بالبدء بعزل بعض المستشارين المحيطين به، وتعيين آخرين يتمتعون برؤية استراتيجية وفهم دقيق للتحولات الإقليمية، فالوضع السيادي يتطلب فريقًا استشاريًا سياديًا، نزيهًا وكفؤًا، لا مستشارين من مخلفات عهود سابقة فشلت فشلًا ذريعًا وباتت في ذمة التاريخ.

الحقيقة الثالثة:

لا تزال الدولة مقصّرة ومتقاعسة في البدء بعملية حصر السلاح.

لماذا لا تتخذ الحكومة، بصفتها السلطة التنفيذية، قرارًا بخطة واقعية تبدأ بحصر السلاح في مناطق مثل: مخازن الحزب وسراديبه في جبل لبنان، وجبيل، والبترون، وعكار، ومحيط بيروت الإدارية؟

فإذا تعذّر الحسم في مناطق نفوذ الحزب، فلتكن البداية من المناطق الممكنة.

المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأميركيون، ينظر بقلق إلى هذا التباطؤ الرسمي في ملف السلاح. والمهل تضيق يومًا بعد يوم، ومعها تضيق فرص تمويل لبنان وإعادة إعماره.

أين مجلس الوزراء من وضع جدول زمني واضح لحصر السلاح؟

أين القرار بتكليف الجيش والقوى الشرعية تنفيذ هذه المهمة، خصوصًا شمال الليطاني؟

أليست الدولة اللبنانية موقّعة على اتفاقية وقف الأعمال العدائية في تشرين الثاني 2024؟

أليس من واجبها البدء بتنفيذ التزاماتها، بدءًا من الجنوب، حيث أعلن الجيش سيطرته بنسبة 90%؟

رغم بعض التحفظات على صحة وفعالية هذا الانتشار، خاصة في ظل اعتداءات متكررة على قوات اليونيفيل باسم “الأهالي”، ما يكشف بوضوح استمرار الوجود الفاعل للحزب.

الحقيقة الرابعة:

هناك تقاعس رسمي في مواجهة الاعتداءات ضد اليونيفيل في مناطق نفوذ حزب الله.

المطلوب ليس أن يتدخل الجيش بعد وقوع الاعتداءات، بل تنفيذ القرار 1701، الذي يتيح لليونيفيل حفظ الأمن، ويمنحها حرية الحركة والتنسيق مع الجيش عند الحاجة.

ما جرى في الأيام العشرة الماضية من صدامات بين “أهالي حزب الله” ووحدات اليونيفيل يستوجب موقفًا حاسمًا من الدولة. فلبنان مهدد، سياسيًا وأمنيًا، بانسحاب اليونيفيل، وهو ما سيكون بمثابة كارثة وطنية، ستؤدي إلى انهيار الاستقرار في الجنوب وتهديد وحدة البلاد.

المواقف الإعلامية لا تكفي، بل لا بد من خطوات ميدانية واضحة وحاسمة.

الحقيقة الخامسة:

رئيس الحكومة القاضي نواف سلام رفع السقف مؤخرًا، وبحق، في مواجهة مشروع إيران لتصدير الثورة، وهو يعلم أن لا مساعدات دولية قبل حسم ملف السلاح.

فأين الخطة الزمنية؟ وأين حتى الإشارة إلى جدول عمل أو خارطة طريق؟

اعتداءات الحزب على اليونيفيل تصبّ فعليًا في مصلحة إسرائيل، التي تسعى بدورها لإنهاء وجود القوات الدولية، وترك الجنوب ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات.

معلومات عديدة تتقاطع حول قيام الحزب بترميم قدراته العسكرية، وتدفّق شحنات أسلحة من القصير السورية. فهل تستعد المنطقة لجولة جديدة من المواجهات؟

وأين موقف الحكومة من كل ذلك؟

الجميع يدرك أن انسحاب اليونيفيل يعني فتح الجنوب على المجهول، فهل تتحرك الدولة لإقناع الأميركيين بعدم التخلي عن هذه القوة الدولية؟

الحقيقة السادسة:

لم تبادر الدولة حتى الآن إلى تنفيذ الشق الخاص بها من اتفاقية وقف الأعمال العدائية الموقّعة في تشرين الثاني 2024.

أين الشفافية في تأكيد السيطرة على جنوب الليطاني؟

لماذا لا تُنشَر صور أو فيديوهات توثّق هذا الوجود العسكري الرسمي لإقناع الرأي العام اللبناني أولًا؟

أين الرد الرسمي المصوّر والمقنع على ادعاءات أفخاي أدرعي وقيادة العدو الإسرائيلي بشأن القصف في الضاحية الجنوبية؟

هل تدرك الدولة أن دوائر القرار في واشنطن، من الكونغرس إلى الخارجية، لا تثق بالبيانات اللبنانية لانحيازها الواضح لروايات حزب الله؟

هذه بعض الحقائق نضعها برسم الدولة، لأن الوقت لا يسمح بالتهاون، والظرف خطير، والاستحقاقات داهمة.

قلبنا على لبنان، وعلى الدولة، وعلى العهد.

دويلة حزب الله انتهت، ولا يجوز للدولة، عن قصد أو عن غير قصد، أن تسهم في إعادة إحيائها.

نعوّل على العهد وعلى الحكومة التصدي لهذه الحالة الشاذة، لعلنا نسهم بالقلم والفكر في التنبيه، والنصح، والإرشاد، دعمًا لعهد جديد، وأملًا في إنقاذ آخر أمل بقي لدولة لبنانية حقيقية، سيدة، حرة، مستقلة، يسودها القانون وسلاح شرعي واحد.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: