حين تصبح “بلاد الشام” فزاعة… من يتحمل مسؤولية عزلة لبنان؟

barrak

قامت الدنيا ولم تقعد تعليقًا على كلام الموفد الأميركي توم بارّاك لصحيفة The National، وسارع أصحاب السلاح والحرب في لبنان مع حلفائهم إلى الترويج بأن الولايات المتحدة الأميركية تريد إلحاق لبنان ببلاد الشام، في محاولة واضحة لاستغلال هذا الكلام في تبرير رفضهم المستمر لتسليم السلاح إلى الدولة اللبنانية.

لم يكلف هؤلاء أنفسهم عناء قراءة ما قاله طوم بارّاك فعليًا للصحيفة، فسقطوا وأسقطوا أتباعهم في التضليل. فماذا قال بارّاك حقيقةً؟

في ترجمة النص من الإنكليزية إلى العربية جاء التالي:

“على لبنان أن يحلّ قضية سلاح حزب الله، وإلا فقد يواجه تهديدًا وجوديًا”.

وأضاف: “لديكم إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، والآن سوريا بدأت تُظهِر نفسها بسرعة، فإذا لم يتحرك لبنان، فسيعود ليكون بلاد الشام مجددًا”.

ما هو واضح من كلام بارّاك أنه حمّل اللبنانيين مسؤولية حماية بلدهم من التهديدات الإسرائيلية والإيرانية والسورية، مؤكدًا أن تفادي هذه التهديدات لا يمكن أن يتم إلا من خلال نزع سلاح حزب الله، فعندها تُسحب ذريعة الهجوم من إسرائيل، وتُنتزع الساحة من إيران، وتُقوّض أي نية سورية للتدخل في لبنان تحت ذريعة وجود تنظيمات مسلّحة يمكن أن تهدد النظام السوري الجديد.

وهنا لا بد من التذكير بأن كلام بارّاك ليس غريبًا، إذ إن العديد من الدول المحيطة بلبنان، تاريخيًا وحاضرًا، أظهرت أطماعًا واضحة فيه، سواء من خلال التدخلات السياسية أو الأمنية، أو حتى من خلال الاحتلال المباشر.

إن دول العالم، ولا سيما تلك التي تؤثر في المنطقة، وعلى رأسها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، لا تعمل وفق الأجندة اللبنانية بل وفق أجنداتها ومصالحها. وعلى الحكومة اللبنانية أن تقرر أين تكمن مصلحة لبنان واللبنانيين: هل في بقاء السلاح خارج الدولة وتعريض لبنان لمخاطر جمة؟ أم في تفكيك البنية العسكرية والأمنية لحزب الله، والانفتاح على المجتمعين الدولي والعربي للاستفادة من فرص الدعم والتنمية؟

لقد كان لبنان لعقود ملحقًا ببلاد الشام من قبل أولئك الذين استفاق فيهم الحسّ الوطني اليوم. هؤلاء هم من رفعوا شعارات “وحدة المسار والمصير” و”شعب واحد في بلدين”، وجابوا الساحات والشوارع معترضين على الانسحاب السوري من لبنان. كما زجّوا أنفسهم في الدفاع عن نظام الأسد، فخسروا آلاف الشباب وراكموا المزيد من الحقد بين الشعبين السوري واللبناني. ولو عادت عقارب الساعة إلى الوراء، لما ترددوا لحظة في السعي لإلحاق لبنان بسوريا مجددًا.

هؤلاء بارعون في خلق فزّاعات للشعب اللبناني، وفي رمي مسؤولية ما حلّ وما سيحل بلبنان على الآخرين، في حين أنهم يتحملون، عن سابق تصور وتصميم، مسؤولية ما عاناه وما سيعانيه اللبنانيون. فهم أول من حمى الإرهاب المتطرف الآتي من سوريا، وليس من قبيل الصدفة أن أعلن الأمين العام الراحل لحزب الله السيد حسن نصرالله أن مخيم نهر البارد “خط أحمر”، في الوقت الذي كان فيه الجيش اللبناني يودّع شهداءه الذين قتلتهم عناصر “فتح الإسلام” بقيادة شاكر العبسي.

كما لم يتردد هؤلاء في تأمين رحيل مئات المتطرفين من جرود سلسلة جبال لبنان الشرقية، بعدما أعدموا عددًا من الجنود اللبنانيين، وكان الواجب يقضي بجلبهم أمام القضاء اللبناني لمحاكمتهم.

لقد استجلب هؤلاء الاحتلالات والتدخلات في لبنان، ولم يتعظوا من المآسي التي ألحقوها باللبنانيين، وما زالوا مصرّين على ربط مصيرنا جميعًا بمصير مشروعهم الذي لن يرى النور. وهم، إذ يدركون هذه الحقيقة، قرروا هدم الهيكل على رؤوس الجميع.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: