في خضمّ الأزمات المتعاقبة التي عصفت بلبنان، من الهجرة والنزوح إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. تُبرز المدارس كمحارب أساسي ليس للتعليم فحسب، بل أيضاً للتماسك النفسي والاجتماعي للجيل الناشئ. وإنّ غياب الدعم النفسي المتخصّص في البيئة المدرسية ينعكس بصورة متزايدة على قدرة التلاميذ على التعلّم والمشاركة، وعلى المعلمين في تمييز الإشارات المبكّرة للمعاناة النفسية. لذا، بات من الضروري أن يكون في كل مدرسة أو على الأقل في كل شبكة مدارس أخصائي نفسي متخصص، ليُصبِح التعليم بيئة حاضنة للنمو الشامل، لا مجرد تلقين للمعلومات.
في هذا السياق قالت أخصائية نفسية ومُعالجة تربوية رندا شحادة، عبر LebTalks: "نلاحظ في المدارس علامات متزايدة لقلق وصعوبة تركيز واضطراب سلوك بين التلاميذ، أبرزها: الصداع والمغص غير المفسّرين، التعب السريع، الانسحاب الاجتماعي".
وعند سؤالنا عن دور الأخصائي النفسي، أفادت بأن "وجوده في المدرسة يعني الكشف المبكر عن اضطرابات ربما تتطوّر إذا لم تُعالَج، كما يُسهّل التوجية إلى خدمات متخصّصة، ويعمل مع المعلمين والأهالي على بناء بيئة داعمة".
أضافت: "في لبنان، رغم المبادرات، لا يزال الوصول إلى خدمات الصحة النفسية محدوداً، مثلاً إحدى الدراسات وجدت أنّ حوالي 94% من المراهقين ممن يعانون اضطراباً نفسياً لم يتلقّوا أي علاج".
من جهةٍ أخرى، أكدت بعض إدارات المدارس التي تضمّ أخصائيين نفسيين: "منذ أن استُحدث منصب الأخصائي النفسي في المدرسة، لاحظنا تغيّراً ملموساً، أصبح لدى التلاميذ مكان يستطيعون اللجوء إليه حين يشعرون بقلق أو صعوبة، وليس فقط المعلم أو المدير. هذا الحدّ يقلّل من شعورهم بأنهم بمفردهم، ويساهم في تحسين التركيز والسلوك داخل الصفوف".
وأفادوا بأن "الأخصائي النفسي لا يعمل وحده بل ننسّق كهيئة تعليمية معه، نُحال طلبة إليه عند الحاجة، وهو بدوره يُقدّم ورشاً للمعلمين والأهالي حول كيفية التعامل مع الضغوط النفسية والتغيّرات في سلوك التلميذ. والرصد أظهر تراجعاً في حالات الغياب المتكرّر أو الانسحاب الاجتماعي".
وأشاروا الى أن "رغم الموارد المحدودة في لبنان، نجح هذا الدور بأن يكون جسراً بين المدرسة والأسرة والمختصّين الخارجيين. فعندما يُكتشف خلل أو مشكلة مبكرة، يتمّ التوجّه إلى جهة مختصّة أو متابعة داخل المدرسة، ما يقلّل من تفاقم المشكلات النفسية ويعزّز بيئة تعليمية سليمة".
وأكد تقرير محلي أنّ "نحو 32.7% من الأطفال والشباب في لبنان يواجهون ضغوطاً نفسية يومية، فيما نسبة الطلب على المساعدة الفعلية لا تتجاوز 5%".
إنّ دمج أخصائي نفسي في المدارس اللبنانية ليس خياراً بل استثمار في الإنسان والمجتمع. فعندما يجد التلميذ من يسمعه، ويشعر المعلم بأنّه مدعوم، ويطمئن الأهالي إلى أن المدرسة تهتم ليس فقط بالتحصيل بل بالرفاه، عندئذٍ تتحوّل المدرسة إلى فضاء شامل يبشّر بمستقبل أكثر تماسكاً وأملًا. وعلى وزارة التربية أن تعترف بهذا التوجّه، وتعمل على دعمه مادياً وبشرياً، لتغدو كل مدرسة منارةً للعلم والنفس معاً.