يختلف الكثيرون في تاريخ بدء حرب الآخرين على ارضنا، ليست حرباً أهلية بالتأكيد، وإن إتجهت الى ذلك المنحى في بعض الاحيان تنفيذاً لمؤامرات خارجية، وتحديداً منذ ان سلبت فلسطين ووُقعت اتفاقية القاهرة في العام 1969، التي شرّعت للفلسطينيين حق إستعمال السلاح على الاراضي اللبنانية، تحت عنوان الدفاع ضد اسرائيل.
ومنذ ذلك الحين بدأ اللبنانيون يعيشون الحرب النفسية، وصولاً الى تاريخ 13 نيسان 1975 تاريخ بدء حرب الآخرين، التي إنطلقت من عين الرمانة لتصبح تلك المنطقة عاصية على كل غريب ومحتل، ومخرزاً في عيون اعداء لبنان كما سائر المناطق المسيحية، التي وقفت ضد من ارادوا إحتلال لبنان بديلاً عن بلدهم المسلوب.
سنوات وسنوات عاشتها المناطق اللبنانية من معارك قاسية وويلات ومجازر واغتيالات وسقوط شهداء وجرحى ومعوقين، لتسطّر ملاحم بطولة قام بها مناضلون من المقاومة المسيحية اللبنانية، فتصدّوا لكل المؤامرات والطامعين بلبنان، فدحروا كل الدخلاء والمحتلين من الفلسطينيين بمختلف فصائلهم وتبعاتهم، مروراً بالمحتلين السوريين الطامحين بضم لبنان الى نظامهم، الذي إنتهى بإذلال فأنهى معه حقبات يخجل التاريخ من ذكرها.
الى ذلك كان للداخل دور في الحروب تنفيذاً لأجندات خارجية واقليمية، والتاريخ شاهد على ذلك، لكن المهم اليوم ان تصبح تلك الذكرى الاليمة عبرة كي يتعظ اللبنانيون من خلالها، فينسون تلك الجروح والمآسي التي عايشوها على مدى نصف قرن، فتبقى ملامحها فقط في بعض الابنية التي تحمل آثار الحرب على خطوط التماس، بين عين الرمانة والشياح التي تركت عن قصد، كي يتكون عبرة للبنانيين الذين إنقسموا وتفرقوا بعدما وقعوا في فخ الخارج.
شواهد قليلة بقيت من تلك الحروب التي لمْ يسلمْ منها أحد، وحدهم الشهداء والجرحى والمعوقين بقيوا في الاذهان.. فلنسترجع تلك الصفحات وفاءً لهم، لانها تجسّد ذاكرة وطن ونضال مقاومة لبنانية حقيقية، حملت شعار لبنان اولاً واخيراً.
تاريخ 13 نيسان 1975 سيبقى محطة تجمع العبرة والدمعة، العز والشرف والكرامة والعنفوان والصمود.
اليوم وبعد خمسين عاماً على ذلك التاريخ، نحن أمام منعطف مفصلي، بدأت ضمنه أولى خطوات العبور نحو الاستقرار مع انطلاقة العهد الجديد، نأمل أن تكون هذه المرحلة بداية لنهوض لبنان من كبوته، لتحقيق مشروع الدولة الذي لا بديل عنه. لذا نشعر لأول مرة بإنتصار سيادة الدولة على الدويلة، ونأمل بمستقبل مشرق بدأت ملامحه تظهر مع بدء العهد الجديد.