خيوطُ تشابك الصراع الإقليمي الدولي وحدوده الاستراتيجية

KHAS-2

سبقَ لنا أن أشرنا في مقال سابق بعنوان “ما بعد بعد الشرق الأوسط ونذير المواجهة الدولية” الى أن ما يدورُ على أرض غزّة من حربٍ وفي الجنوب اللبناني من صراع والحشد الهائل للأساطيل الأميركية والأطلسية في المنطقة، يتجاوزُ في أهدافه واستراتيجياته حقيقة الحروب المذكورة.

الحقيقةٌ هذه تترسّخُ يوماً بعد يوم لمَن يتابعُ التطورات ما وراء كواليس وأروقة القرار الدولي، بمعنى أنه أصبح جلياً اكثر من قبل حول ما يحصلُ في الحقيقة و يتجاوزُ المعلَن والمٌتاح والمتداوَل، لأن الحقيقة تشير الى أن المنطقة في خضمِّ صراعٍ دولي تدور رحاه على مساحة أوسع من قطاع غزّة وجنوب لبنان واليمن والبحر الأحمر وبحري الخليج والمتوسط.

هناك صراع أميركي- إيراني- روسي كبير هذه أبرز تجلّياته : 

١- واشنطن قرّرت تفكيك محور إيران- روسيا- الصين، فالممر الهندي الأوروبي هو أساسُ استراتيجية واشنطن، الأمر الذي يعني أن هذا الممر الذي لا يمرُّ لا بإيران ولا مصر ولا تركيا، تبدو طهران أكثر المتضرّرين منه، في الوقت الذي انخرطت فيه واشنطن مع إيران وأوروبا في عسكرة الأرمن في القوقاز ضد أذربيجان وتركيا .

٢ – واشنطن لن تقبل بعد اليوم بأي هلالٍ سواء إيراني( آسيوي- غربي- عربي) أو روسي (الهلال الأوراسي ) أو صيني (طريق الحرير )، ولا أي تحالفٍ ينافسُ خطها وممراتها الدولية.

٣– واشنطن قرّرت مواجهة خطة موسكو بإرسال فريق نووي الى طهران في نهاية العام الحالي للمساعدة على استحصال إيران على “القنبلة الشيعية”، ومن هنا زيادة واشنطن الضغط على إيران لثنيها عن هذا التعاون تحت طائلة عقوبات وضربات عسكرية للنووي الإيراني، إذ إن واشنطن ترفضُ أي تحالفٍ روسي- إيراني نووي أو صاروخي.

٤- عندما قُتِلَ الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، اعتبرت موسكو أن الحرس الثوري هو الذي قام بتصفيتهما كونهما كانا مهندسي الاتفاق الروسي- الإيراني المحدّد لمدة 25 سنة من التحالف والتعاون بين البلدين، في وقتٍ اعتبرت موسكو أن الحرس الثوري يفضّلُ إبرام اتفاقاتٍ مع الولايات المتحدة لا مع روسيا، وبالتالي تسعى روسيا جاهدةً، وربما في قمة دول “بريكس” في شهر تشرين الأول المقبل الى جرّ الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان الى توقيع هذه الاتفاقية، ومن هنا نجدُ أن واشنطن تقفُ بالمرصاد لمنع هذا التوقيع بشتى الضغوط الديبلوماسية والعسكرية والسياسية.

٥ – وضعت واشنطن شروطها على الإيرانيين لتفكيك المحور الروسي- الإيراني- الصيني في المنطقة بلاءات ثلاث : لا لبيع صواريخ إيرانية لروسيا، لا لتعاونٍ نووي روسي- إيراني لصالح إيران، ولا لأنابيب غاز روسية لإيران عبر بحر قزوين .

٦- في إطار ديبلوماسية الضغوط القصوى، ترسلُ إدارة الرئيس جو بايدن الى الصين مستشار الأمن القومي جاك سوليفان للاجتماع بالزعيم الصيني شي جينبينغ، بهدف ترتيب لقاء بين الزعيمين الأميركي والصيني لأن إدارة جو بايدن تريد ضمان نفوذها في جنوب وشرق آسيا، الأمر الذي يثيرُ غضب الصينيين الذين لا يتطلّعون ب”عين الرضى” الى تمدّد النفوذ الأميركي في غرب آسيا (الشرق الأوسط) وفي جنوبها أيضاً.

على صعيد آخر، وفي إطارٍ جيو سياسي معقّدٍ وحامٍ على مساحة مناطق المواجهة الكبرى،  كانت لافتة زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي التاريخية لكييف ولقائه الرئيس فولوديمير زيلينكسي الذي وصف الزيارة بالتاريخية، وذلك بموازاة دخول كييف الى كورسك الروسية وتدعيم وجودها على طول خط عمق روسي بلغ 1000 كيلومتر .

الدخول الهندي على خط كييف لا يعني اصطفافاً هندياً ضد روسيا بقدر ما يعني انتقال مركز الثقل الديبلوماسي والسياسي من موسكو الى كييف بفعل انقلاب المشهدية والمعادلات السياسية والاستراتيجية .

 بناءً عليه، وانطلاقاً من العوامل أعلاه، يصبحُ من الواضح والجلي أن الصراعات الموازية لكل من روسيا وإيران والصين مع الولايات المتحدة التي هي العدو الجامع بينهم، تصبحُ أكثر تعقيداً وتشابكاً ما يهدّد حقيقة باستمرار المحور الثلاثي منسجماً ومتلاحماً.

إيران تريدُ ضرب إسرائيل، وروسيا تريدُ هزيمة الأميركيين والناتو في أوكرانيا وأوروبا، وما بين هذا وذاك موانعُ كثيرة ليس أقلها قدرة طهران الحقيقية على مواجهة التحالف الدولي الأطلسي بمعزل عن روسيا، وقدرة روسيا على مواجهة الهجوم الأوكراني المضاد المدعوم من الأطلسي والأميركيين، خصوصاً من دون المساعدة الإيرانية بالصواريخ الباليستية والمٌسيّرات،

فالشراكة الإيرانية- الروسية أمام تحدياتٍ جمّة تبدأ بالحرب في أوكرانيا ولا تنتهي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، لاسيما وأن روسيا فوجئت ب”الدفرسوار الأوكراني” في كورسك، في لحظةٍ تضعُ واشنطن كل ثقلها غير المسبوق لشلّ قدرة إيران على الردّ على إسرائيل، فيما كييف تستعدُّ للحصول على أولى طائراتها F16 في مواجهة الدفاعات الروسية.

هذا المشهد العسكري يعني أن كلاً من إيران وروسيا تقفان أمام حقيقة محدودية إمكاناتهما العسكرية إذا لم يتعاونا، علماً أن إيران راهناً غير قادرة على مساعدة روسيا ولا هذه الأخيرة قادرة على مساعدة إيران كما كانا يفعلان في السابق، فالأميركيين بالمرصاد والضغوط على إيران هائلة من الجانب الأميركي.

يقول مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية علي فائز إن إيران تخاطرُ بأن يتحوّل ما تصوّرته عملاً عسكرياً محصوراً ضد إسرائيل الى حرب شاملة، لأنه عندها ستحتاجُ إيران الى كل صاروخ تملكه بنفس الطريقة التي ستحتاج روسيا الى كل منظومة دفاعاتها وصواريخها،

 وبالتالي فإن المعادلات باتت أكثر تعقيداً في ظل الجو التصعيدي الضاغط من قبل اللاعبين الإقليميين والدوليين المتصارعين، والنموذج السوري هو أحد إفرازات الوضعية المتشابكة، إذ إنه في الوقت الذي نجحت فيه كلٌ من إيران وروسيا بالحفاظ على بشار الأسد لمنع انهياره حين فقدَ السيطرة على التمرّد الشعبي الذي اعتبرته روسيا وإيران مدعوماً من الاميركيين، إذا بهما اليوم أمام مفترق طرق يجعلُ أولويات الاعتبارات الاستراتيجية لأحدهما غير منسجمة مع أولويات الطرف الآخر، لا سيما وأن النكسات الروسية في أوكرانيا في أعقاب غزو موسكو لأوكرانيا في شباط 2022 بدّلت في موازين القوى، وصولاً الى نكسة كورسك وفرض شروط جديدة للعبة ولقواعد الاشتباك على موسكو ستتأثر بها حتماً إيران والعلاقات بينهما.

من هنا يمكنُ فهم الآتي :

-أولاً : الضغط الأميركي الهائل على الإيرانيين لعدم تزويد روسيا بالأسلحة.

-ثانياً : رفض إيران حتى الآن الطلبات الروسية بالحصول على صواريخ باليستية، مع العلم أنه لو سلّمت طهران مخزونها من تلك الصواريخ الى موسكو لمَا استطاعت كييف مواجهة تداعيات استخدامها جميعها.

-ثالثاً : ما يساعدُ الاستراتيجية الأميركية هو استنفاد موسكو لمخزونها من صواريخ كروز وأخرى باليستية على أوكرانيا، بحيث لجأت موسكو الى استخدام صواريخ كوريا الشمالية.

وفي هذا السياق، تجدرُ الإشارة الى أن وزارة الخارجية الأميركية حذّرت هذا الأسبوع إيران من ردٍّ سريع وشديد إن هي زوّدت روسيا بالصواريخ الإيرانية فإن الردّ لن يكون بأقل من ضرب البرنامج النووي الإيراني ومعامل النفط …فضلاُ عن حظر الرحلات الجوية المدنية الى أوروبا كما سابقاً من خلال حظر الطيران المدني الروسي في إطار العقوبات الدولية على موسكو نتيجة هجومها على أوكرانيا. -رابعاً : أوروبا هد؟دت بدورها إيران من أن نقل صواريخ باليستية الى موسكو سيعني توقيع صكّ حرق كل الجسور مع الاتحاد وحرق الجهود لرفع العقوبات عنها.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: