"دولة واحدة أو لا دولة".. محمد شطح والوصية الثقيلة!

mhammad-shatah-2

في كل ذكرى لاغتيال محمد شطح، لا يعود الرجل بوصفه ضحية تفجيرٍ غادر فحسب، بل يعود كمرآةٍ قاسية لما وصل إليه لبنان. فالأفكار التي اغتيل بسببها لم تُحسم، والمعركة التي خاضها بالكلمة والعقل لا تزال مفتوحة، بل باتت أكثر إلحاحًا اليوم، في ظل النقاش المتجدّد حول سلاح حزب الله ومستقبل الدولة اللبنانية.

محمد شطح لم يكن رجل مواجهة، بل رجل دولة. لم يحمل خطاباً شعبوياً، ولم يلجأ إلى التحريض، لكنه كان واضحًا إلى حد الإزعاج: لا دولة بوجود سلاح خارج الشرعية، ولا سيادة مع ازدواجية القرار العسكري والأمني. هذا الموقف، الذي بدا يومها "نخبوياً" أو "مثالياً" بنظر البعض، أصبح اليوم شرطاً بديهياً لأي إنقاذ حقيقي للبنان.

في العام 2013، اغتيل شطح لأنه مثّل خطراً فكرياً على مشروع تحويل لبنان إلى ساحة. كان يرى أن السلاح، مهما كانت الذرائع، حين يخرج عن إطار الدولة، يتحوّل من عنصر "قوة" إلى أداة تعطيل وانقسام. واليوم، بعد سنوات من الانهيار المالي، والعزلة العربية والدولية، والحروب المتنقلة على الأرض اللبنانية، تبدو قراءة شطح أكثر واقعية من أي وقت مضى.

لبنان اليوم ليس لبنان 2013. يومها كان الخلاف سياسياً حاداً، لكن الدولة لا تزال قائمة نسبياً. أما اليوم، فنحن أمام دولة، قرارها السيادي معلّق، واقتصادها مدمَّر، ومستقبلها مرهون بتوازنات إقليمية. والسؤال الذي كان يُهمس به في زمن شطح، يُطرح اليوم علنًا: هل يمكن للبنان أن يستعيد عافيته من دون حصر السلاح بيد الدولة؟

المفارقة أن ما كان يُتّهم به محمد شطح – أي "التشدد" في مسألة السلاح – بات اليوم مطلباً دولياً وعربياً وداخلياً متزايداً. لم يعد النقاش محصوراً بشعار "المقاومة"، بل أصبح مرتبطًا بكلفة هذا السلاح على حياة اللبنانيين، وعلى علاقتهم بمحيطهم، وعلى فرص نهوض دولتهم. شطح كان سبّاقاً في ربط السيادة بالاقتصاد، والاستقرار بالشرعية، معتبراً أن لا استثمار ولا ثقة ولا نمو في ظل دولة منقوصة القرار.

لم يدعُ شطح إلى حرب أهلية، ولا إلى صدام داخلي، بل إلى مسار سياسي واضح: حوار يؤدي إلى دولة، لا حوار يكرّس الدويلة. كان يؤمن بأن تسليم السلاح للدولة ليس هزيمة لأي فريق، بل انتصار للبنان كله. وهذا بالضبط ما يغيب عن الخطاب السائد اليوم، حيث يُقدَّم أي نقاش في هذا الملف وكأنه تهديد وجودي، لا فرصة إنقاذ.

في ذكرى اغتياله، يبدو محمد شطح كأنه رجل من المستقبل اغتيل قبل أوانه. رجل قال ما لا يُراد قوله، ورفض المساكنة مع الخوف. واليوم، فيما يتخبّط لبنان بين الانهيار والتدويل، وبين الحرب والسلم الهش، تعود أفكاره كخريطة طريق ضائعة: دولة واحدة، سلاح واحد، قرار واحد.

أما السؤال الذي يطرحه غيابه اليوم، فهو أبعد من العدالة: هل يملك اللبنانيون الشجاعة لإحياء الفكرة التي قُتل من أجلها؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: