لم تكن جلسة مجلس النواب الأخيرة عادية بأي مقياس. فالقاعة التي عادة ما تشهد نقاشات سياسية ساخنة، غرقت هذه المرة في الظلمة والحرارة بسبب انقطاع التيار الكهربائي وتعطل المولدات، في مشهد اختصر واقع الانهيار الذي تعيشه البلاد. وكأن أزمات لبنان المتراكمة وجدت طريقها إلى داخل المجلس النيابي، محيلة جلسته إلى مشهد رمزي لما وصلت إليه الدولة من ترهل وفوضى.
لكن وسط هذه الظروف غير المسبوقة، تحققت لحظة فارقة في تاريخ العمل النيابي: رفع الحصانة البرلمانية عن أحد أعضائه، للمرة الأولى منذ 25 عامًا.
في خطوة وصفت بأنها غير مسبوقة منذ عام 2000، صوّت 99 نائبًا بالموافقة على رفع الحصانة عن النائب والوزير السابق جورج بوشيكيان، الذي يقيم حاليًا في كندا، فيما امتنع نائب واحد عن التصويت، وصوت آخر ضد القرار. هذه الخطوة جاءت استجابة لطلب مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار، ضمن مسار قضائي يتناول شبهات فساد وهدر للمال العام تطال بوشيكيان. وبهذا التصويت، يصبح بوشيكيان أول نائب تُرفع عنه الحصانة منذ حالة النائب السابق حبيب حكيم في مطلع الألفية.
بالتزامن مع هذا التطور، استمع المجلس إلى إفادات ثلاثة وزراء سابقين هم بطرس حرب، نقولا صحناوي، وجمال الجراح، في إطار تحقيقات تتعلق بملفات الاتصالات، ضمن محاولات المجلس النيابي لإعادة إحياء دوره الرقابي بعد سنوات من الغياب والتعطيل.
ورغم حالة التخبط والعجز اللوجستي، رأى عدد من النواب والمراقبين في ما جرى بداية تحول، وبصيص أمل بإمكانية تحريك المياه الراكدة في مستنقع المحاسبة والعدالة. لكن التساؤل الأهم يبقى: هل تكون هذه الخطوة بداية مسار فعلي لمكافحة الفساد، أم مجرد حدث استثنائي يُستهلك إعلاميًا ثم يُطوى كما سواه؟
وفق مصادر دستورية وقضائية تحدثت لموقع LebTalks، فإن الخطوة التالية تقع على عاتق مدعي عام التمييز، الذي يملك صلاحية استدعاء بوشيكيان للتحقيق، أو إصدار مذكرة توقيف بحقه، أو إحالة الملف إلى قاضي التحقيق المختص. وفي حال ثبت أن بوشيكيان متواجد في كندا ورفض المثول أمام القضاء اللبناني، فقد يُلجأ إلى إصدار مذكرة توقيف دولية عبر الإنتربول.
وتؤكد المصادر أن رفع الحصانة لا يعني إسقاط النيابة، إذ أن هذا الأمر لا يتم إلا بحكم قضائي مبرم، ما يعني أن الطريق القضائي لا يزال طويلًا ومعقدًا.
ختامًا، وبين مؤشرات الحلحلة وتجذر الأعطاب في البنية السياسية والقضائية، يبقى الأمل بأن لا تكون جلسة الأمس مجرّد ومضة عابرة في ليل طويل، بل بداية فعلية لوضع حد للإفلات من العقاب، وترسيخ مبدأ أن لا أحد فوق القانون، مهما علا شأنه أو موقعه.