شكّل انهيار نظام الطاغية النيروني بشار الأسد منذ أحد عشر يوماً في سوريا كوّة صغيرة لتسلل حلمٍ يراود الأكراد في منطقة الشرق الاوسط والانتشار العالمي منذ عقود طويلة، ما يدفع باتجاه “كانتون كردي” مستقل عن تركيا وسوريا والعراق تكون قاعدته في شمال شرق سوريا، لكن عراقيل كثيرة تتراكم قاطعةً الطريق على تحقيق هذا الحلم المستعصي في ظل التسويات الكبرى التي تنحو باتجاه رسم خريطة “الشرق الأوسط الجديد”، فماذا عن أكراد سوريا وعن احتمال تفكك “بلاد الشام” الى دويلات عرقية طائفية لا بل مذهبية؟
يناهز عدد الأكراد في سوريا نحو ثلاثة ملايين كردي، وفق إحصاءات غير رسمية، وهم يتوزعون على مناطق الحسكة والقامشلي وعين عرب في منطقة كوباني وعفرين وعدد من أحياء دمشق وحلب ومنها حي ركن الدين المجاور لحي الصالحية وهو من أقدم أحياء المدينة، مشكّلين أكبر أقلية عرقية تصل الى 10 في المئة من تعداد السكان في سوريا، علماً بأن عدد الأكراد في العالم يتراوح بين 30 و 45 مليون نسمة يتمركزون في كردستان وتركيا وإيران والعراق وسوريا وألمانيا، وهم ثاني أكبر مجموعة عرقية في العالم “من دون دولة مستقلة”.
أكراد سوريا معظمهم من المسلمين السنّة الذين يتمذهبون بمذهب الإمام الشافعي ثالث المذاهب السامية السنّية، إضافة الى أعداد محدودة من اليزيديين والعلويين والمسيحيين.
هم يتحدثون اللغة الكردية وتُسمى اللهجة الكرمانجية وهي مزيج من اللغات الفارسية والأفغانية والبلوجية، أما أبرز العائلات الكردية فهي أبراهام وإدريس وأبو النار وأبو حديدة وأبو دان وأبو قوس وأبو شالة.
يعود أصل غالبية أكراد سوريا الى تركيا التي هاجروا منها خلال فترة الانتداب الفرنسي في بداية القرن العشرين هرباً من القمع القاسي الذي تعرضوا له من قبل السلطات التركية التي لا تعترف بهم كمجموعة عرقية مستقلة وهي تُطلق عليهم إسم “أتراك الجبل” إمعاناً في سحق هويتهم، وهو المصير الذي واجهوه في سوريا خصوصاً في ظل نظام البعث وحكم الأسدين الأب والإبن، ما زاد من حدة التوتر بين حكومات دمشق المتعاقبة والمجموعة الكردية، وتجلّت هذه الحدة في احتجاجات واضطرابات واغتيالات واعتقالات في صفوف قادة وناشطين ضمن هذه المجموعة، إضافة الى ممارسات سلطوية تهدف الى الاعتداء على هويتهم ومحاولة طمس ثقافتهم عبر تغيير أسماء قراهم وبلداتهم ومدنهم واستبدالها بأسماء عربية وحرمانهم من تعلّم لغتهم الأم وحجب الجنسية السورية عن عدد غير قليل منهم، ما أدى الى نشوء مجموعة “مكتومي القيد الكردية”، وعلى الرغم من ذلك لم تطالب هذه المجموعة بالانفصال التام عن سوريا إنما بالحصول على حكم ذاتي للأقاليم الكردية التي يشكّلون غالبية السكان فيها.
المجموعة الكردية في سوريا وعلى مدار عقود طويلة تطالب ولا تزال بـ”روج آفا”( ROJOVA KURDISTAN) وهي عبارة كردية تعني “الغرب” أي المناطق الواقعة غرب كردستان، والإدارة الذاتية هي مشروع كردي نشأ على يد حزب الاتحاد الديمقراطي بهدف إخضاع المناطق التي يسيطر عليها الأكراد لسلطة الأمر الواقع، علماً أن المناطق الخاضعة لحكم الإدارة الذاتية هي مناطق رزاعية سهلية تتميز بزراعة القمح والحبوب وأخرى صحراوية، والأهم من ذلك أنها تضمُّ أكبر ثلاثة حقول نفطية في سوريا وهي السويدية والعمر ورميلان، إضافة الى عشرات الحقول الأصغر حجماً والموزعة بين الحسكة ودير الزور مثل التنك والجفر وكونيكو.
واذا كانت معالم الإدارة الذاتية قد بدأت بالظهور بشكل علني منذ العام 2014 فإن نضال أكراد سوريا طوال عشر سنوات لم يؤتِ ثماره بعد ولا تزال منطقة الحكم الذاتي غير قانونية وغير معترف بها على الرغم من إنشاء “ذراع عسكرية” وهي المعروفة بـ”قسد” أي قوات سوريا الديمقراطية المؤلفة من تحالفٍ متعدد الأعراق والأديان للميليشيات التي يغلب عليها الطابع الكردي والتي خاضت معارك عدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية وفصائل أخرى بدعمٍ أميركي.
أكراد سوريا يحاولون حالياً التماهي مع المتغييرات المفاجئة التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط وقلبت كل الموازين السياسية والاستراتيجية وحلم العقد الاجتماعي للفدرالية الديموقراطية في شمال سوريا، فهل ينجحون في انتزاع “كانتون كردي” مستقلٍ يحفظ هويتهم وتراثهم وتقافتهم؟ الجواب في الآتي من الأيام…