Search
Close this search box.

زيارة الأسد للمرشد الأعلى في ظروفها وحيثياتها وأبعادها

خامنئي

لفتت زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد للمرشد الأعلى علي خامنئي للتعزية بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ظروف غامضة، هذه الزيارة التي جاءت بعدما تغيّب الأسد عن جنازة الرئيس الإيراني وعدم حضور مجلس العزاء، مُرسِلاً رئيس وزرائه على رأس وفد سوري رفيع.

زيارة غامضة ومتأخرة بعد غياب “الظرف الطارىء”

أسئلةٌ كثيرةٌ طُرِحت ولم تجد لها إجاباتٍ شافية، لكن الأكيد أن شيئاً ما لا يجري بالشكل الطبيعي على خط دمشق- طهران، وقد تعزّزت هذه الأجواء الضبابية والغامضة بالمعطيات الآتية:

-أولاً : غياب الأسد عن الجنازة والعزاء بحجة ظروف طارئة للرئيس السوري منعته من الحضور على حدّ التبريرات التي أعطاها السفير السوري في طهران وذلك بالتزامن مع ما أعلنه القصر الرئاسي السوري عن إصابة زوجة الأسد السيدة أسماء بمرض اللوكيميا وإعلان ابتعادها عن الشأن العام وعن متابعة مهامها الى جانب زوجها بشار، ولم يُعرف الى الآن سبب توقيت الإعلان الرسمي في نظام اعتاد على التكتّم حيال مسائل تمسّه أو تمسّ صورته العائلية وصورة حكمه.

-ثانياً : زيارة الأسد للمرشد الأعلى، بدل أن تخفّض سقف التحليلات والتوقّعات والمعلومات بوجود فتور في العلاقة بين الطرفين، زادت في تأكيد طغيان أجواء باردة وغير طبيعية بين الأسد وحليفه لا بل راعيه الإيراني، وقد استبق الأسد زيارته لطهران بحملة علاقات عامة على وسائل التواصل الإجتماعي والتلفزيون في محاولةٍ للهروب الى الأمام من خلال ظهوره بمظهر مَن لا يزال يتحكّم بأمور النظام في سوريا ويهتمُّ بالمشاريع الصغيرة، فيما يتجاهلُ الواقع الاقتصادي المذري في بلاده، فالتقى في قصره بمَن أسماهم ممثلي “صندوق التعاضد الإجتماعي والتنمية”، محاولاً الظهور بمظهر الرئيس المتحكّم بملفات حكمه بجرعاتٍ لا تدوم طويلاً ولا تُثمن أمام فشل سياساته وتفشي الفقر والبطالة الداخلية الخانقة حيث تبخّر ذاك “الضرف الطارىء” الذي منعه من التوجه الى طهران لوداع إبراهيم رئيسي ورفاقه.

-ثالثاً : اللافت أيضاً تزامن كل هذه الأجواء مع استئناف إسرائيل لغاراتها على الأراضي السورية مستهدِفةً الوجود الإيراني وميليشياته وفي طليعتهم حزب الله اللبناني، إذ استهدف الطيران الإسرائيلي في الساعات الماضية بانياس وريف حمص حيث سقط خمسة من عناصر الحزب في منطقة الفرقلس السورية من دون أي موقف من الأسد.

-رابعاً: ” الظرف الطارئ” ورغم غموضه الى الآن، لم يمنع المرشد الأعلى من استدعاء الأسد بما يشبه مذكرة جلب الى طهران لإحضاره عنوةً وإسماعه كلاماً مهيناً لصورة الأسد ونظامه ومعنويات رئاسته.

التزاماتٌ وفشلٌ وسحقٌ للبروتوكول والأعراف

 في الواقع، مَن يطّلع على ما قاله المرشد الأعلى للأسد أثناء الزيارة يتوقّف عند البعدين الآتيين:

-البعد الأول : تدخّل المرشد الأعلى مباشرةً أثناء الاجتماع وقيامه خلافاً للعُرف الديبلوماسي عند التقاء رؤساء دول على مرأى ومسمع الأسد مباشرة الجالس أمامه في تحديد سياسة وموقع سوريا ومشروع حكم الأسد، متدخّلاً في شؤون دولة أمام مَن يُفترض أن يكون رئيس تلك الدولة السيّدة والمستقلّة، ممثَّلةً برأس نظامها فإذا بالمرشد الأعلى “يسحق” البروتوكول والأعراف الديبلوماسية وكأنه يعطي توجيهات للأسد ويذكّره بأن  سوريا وإيران هما ركيزتي المقاومة، وأن الهوية المميزة لسوريا هي المقاومة منذ عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، في إشارة مبطّنة الى الدور الإيراني التاريخي في اعتبار سوريا جزءاً من مشروع النظام الإيراني تحت مسمّيات المقاومة والتصدي والصمود، وما إليها من عبارات وشعارات أثبتت الأيام زيفها وفراغها من كل مضمون عملي، وما على الإبن سوى الاستمرار في اتباع سياسة الأب الموالية لطهران.

-البعد الثاني : توجيه الرسائل والسهام الى العرب، إذ إن المرشد الأعلى انتقد مقرّرات قمّة المنامة العربية الأخيرة معتبراً أنه حصل تقصيرٌ حيال ملف حرب غزّة من قبل العرب، مضيفاً أن الأميركيين في المنطقة وحلفاءهم كانوا يعتزمون إسقاط النظام في سوريا وإخراجها من المعادلات الإقليمية لكنهم، بنظر الخامنئي، لم ينجحوا ما يدفعهم الى تحقيق الهدف بأساليب أخرى من خلال إغداق وعودٍ لن يفوا بها أبداً، غامزاً من قناة المحاولة العربية والخليجية إعادة التطبيع مع نظام الأسد في مقابل تنفيذ التزاماته، وكأن المرشد الأعلى ومن خلاله القيادة الحاكمة والنظام الإيراني يرسل للعرب والخليجيين رسالة تحدي حول فشلهم المحتوم في إخراج سوريا والأسد من حضن إيران الى الحضن العربي من خلال وعودهم للأسد إن هو التزمَ بما وعد به وما فُرض عليه في قمّة المنامة مؤخراً .

أمر العودة الى بيت الطاعة الإيراني

من هنا، يمكن اعتبار أن أهداف زيارة الأسد الى المرشد الأعلى كانت في ظاهرها للعزاء لكن مضمونها سياسيٌ بامتياز من أجل إعادة تذكير الأسد بالتزاماته التحالفية مع طهران وإخطاره بوجوب عدم التفريط بها أو القفز من فوقها للذهاب الى الحضن العربي، فيما يبدو أنها بدايةُ صراعٍ إيراني- عربي واضح من تحت الطاولة تبدأ حول الورقة السورية  ومصير ومستقبل النظام وسوريا الدولة، فإيران تذكُر الأسد بالديون والأموال التي يطالبه الإيراني بردها و”بالأوراق الضاغطة ” بما يوصل الى “أمره بالعودة الى “بيت الطاعة الإيراني”.

الأسد بين مقصلتين

50 مليار دولار هي ديون الأسد لنظام إيران يبدو أن طهران بحاجةٍ ماسةٍ إليها الآن … كما أنها بأمس الحاجة لإفهام الأسد أنه لا يستطيع بكل بساطة الانتقال من حضنٍ الى حضنٍ قبل إيفاء الديون والالتزامات التي قطعها يوماً للإيرانيين في سبيل بقائه فوق سُدّة الرئاسة لبلاد ذبحها وقتل وهجّر أبناءها … فهل دقت ساعة المحاسبة؟؟؟

 يقول أحد علّامة النظم السياسية جان ويليام لا بيار إن “هناك نوعٌ من السيادة الشائعة المتجسّدة في سلطة لا تتركُ للإنسان إلا الشيء اليسير من الحرية ” … فكيف اذا فقدَ هذا الإنسان كل مقوّمات حريته؟!

إنه بشار الأسد الواقع بين مقصلتين : إيران  والحكم … أو الموت….

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: