سردية “الحزب” تتآكل

da7ye destruction

بعد عام من حرب الإسناد وشهرين من المواجهات الضارية بين حزب الله وإسرائيل، جاء اتفاق وقف إطلاق النار كنقطة تحول استراتيجية في المشهد اللبناني. فقد صاغ الاتفاق معالم جديدة لمستقبل لبنان، حيث أتى بوضوح على حساب القوة العسكرية غير الشرعية لحزب الله، التي طالما شكلت عقبة أمام سيادة الدولة. نص الاتفاق بشكل صريح على أن “كل السلاح في لبنان يجب أن يكون تحت سيطرة الدولة”، في إعلان يضرب جوهر السردية التي اعتمد عليها حزب الله لتبرير وجوده المسلح وبنى عليها قوته ونفوذه لسنوات طويلة. 

قبول الحزب بهذه الصيغة يعكس اعترافاً ضمنياً بأن الخسائر التي تكبدها خلال الحرب الأخيرة قد أضعفته إلى درجة أفقدته القدرة على الاستمرار كقوة عسكرية خارج القانون.

الحزب، الذي كان يرفض علناً القرار 1701 ومرجعياته (1559 و1680)، وجد نفسه اليوم مضطراً للموافقة على تطبيقها، مما يعكس تحولاً جذرياً في مواقفه. ما كان مرفوضاً بالأمس بات الآن أمراً واقعاً لا مفر منه.

كما أن التزام الحزب بمنع أي نشاط عسكري من الأراضي اللبنانية ضد إسرائيل، وفق نص الاتفاق، وتراجعه إلى شمال الليطاني، يمثل تراجعاً واضحاً عن دوره التاريخي كـ”قوة مواجهة” تحت شعار المقاومة. هذا التراجع أفقده أحد أبرز عناصر قوته، إذ لم يعد له وجود مباشر على حدود إسرائيل، وهو ما يعكس ضربة كبيرة لنفوذه العسكري ورمزيته في الجنوب.

الأمر الأكثر دلالة هو قبول حزب الله بالإشراف الدولي المباشر على تنفيذ الاتفاق، بما في ذلك الرقابة الأمريكية التي طالما اعتبرها عدواً أكبر من إسرائيل. هذا القبول يعرّي الحزب من ادعاءاته بالنصر، إذ بات الآن تحت رقابة دولية صارمة تحد من حركته وتعزز سيادة الدولة اللبنانية في الجنوب. فقدان السيطرة على المناطق الحدودية لصالح الجيش اللبناني يعكس دعماً دولياً واضحاً لبناء دولة قوية قادرة على احتكار قرار الحرب والسلم، دون أي شريك مسلح خارج مؤسساتها الشرعية.

بقبوله هذا الاتفاق، يكون حزب الله قد أقر عملياً بكل ما كان يرفضه لسنوات، متخلياً عن دوره كقوة مقاومة مسلحة، في محاولة للحفاظ على وجوده السياسي على حساب رمزيّته العسكرية. هذا التراجع لا يمثل مجرد تعديل في دوره، بل بداية النهاية لسرديته التي طالما مثلت أساس شرعيته. ومع هذا الاتفاق، يبدو لبنان اليوم أمام مرحلة جديدة تتقدم فيها مؤسسات الدولة على حساب أي قوى موازية، معلنة بداية عصر سيادة الدولة اللبنانية وحدها.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: