كتب الدكتور شربل عازار في موقع "LebTalks":
آلاف السنين هو الوقت الذي استنفدته البشريّة لتتحول المجتمعات فيها مِن جماعات وقبائل وعشائر وطوائف وتنتظم في دول تُسَيّجها حدود واضحة آمنة، دول تحكمها دساتير متعدّدة تتراوح بين الملكيّة والديمقراطيّة.
لذلك أُنشئت منظمة الأمم المتحدة في أربعينيّات القرن الماضي لكي ترعى العلاقة بين مختلف الدول القائمة.
لا يمكن للبنان وللدولة اللبنانيّة ولا للشعب اللبناني العودة آلاف السنين الى الوراء فيسعى كلّ مذهب أو كلّ طائفة او كلّ فئة او كلّ قبيلة او عشيرة، الى امتلاك "جناح عسكري" للدفاع "الوجودي"، خارج سلطة الدولة المركزيّة وخارج القوى العسكريّة والأمنيّة الشرعيّة مهما كانت المبرّرات والحجج والذرائع.
وهذه أصلاً كلمات ثلاث تعني بعمقها إعطاء العذر للدفاع عن الخطأ والإثم والخطيئة.
في لبنان، وبعد أن انتهت "حرب الإسناد" الى ما انتهت إليه، لا زالت قيادات "حزب الله" تكرّر المواقف نفسها، وقد توّجَها السيد محمود قماطي أخيراً بترداد القول أنّ: "شعار حصريّة السلاح لا يعني حزب الله". وأكمل قماطي أنّ "نزع سلاح "حزب الله" يعني زوال الوطن".
القطبة المَخفِيّة والسؤال المُحَيِّر في مواقف "حزب الله" هو التالي:
من يقرّر عن "حزب الله" وسلاحه ومواقفه؟
هل هي قيادة لبنانيّة أم أنّ إيران هي صاحبة الكلمة الفصل في كلّ شاردة وواردة على طريقة "مَن يعطي يأمر"؟. Celui qui donne ordonne
إذا كان سلاح حزب الله "مبرَّرَاً !" أمام الرأي العام قبل "إنجاز" التحرير من الإسرائيلي في أيّار من العام ٢٠٠٠، إلّا أنّه، وبعد هذا التاريخ أصبح السلاح موضوع خلاف عميق داخلي حول غاية بقائه خارج الدولة.
ففي العام ٢٠٠٦ أعطى هذا "السلاح" الحجّة لإسرائيل لتدمير ما دمّرته في الجنوب وباقي المناطق اللبنانيّة.
ولأنّ هذا السلاح وفي "حرب الإسناد" الأخيرة، أوقع بلبنان و"بحزب الله" وقياداته خسائر لم تكن لا في البال ولا في الحسبان.
فأعادت "حرب الإسناد" الى الأذهان صورة إسرائيل التي لا تُقهَر، تماما كما الشعور الذي انتاب كلّ العالم العربي بعد هزيمة العام ١٩٦٧ حيث انتصرت إسرائيل على كلّ دول الجوار مجتمعة، فأعادت اليوم إسرائيل الصورة ذاتها بانتصارها على غزّة ولبنان وسوريا واليمن وإيران مجتمعة، وذلك دون أن تحرك جنديّاً واحداً من أراضيها باتجاه هذه الدول، فَمَحَت بطولات "حرب التحرير" بوجه إسرائيل في العام ٢٠٠٠، وَمَحَت "بطولة" صمود حرب تموز ٢٠٠٦ وصورة الانتصار فيها.
اليوم دونالد ترامب وماركو روبيو وطوم برّاك وايمانويل ماكرون وكلّ قيادات أوروبا وقيادات الخليج مجتمعة أبلغوا الدولة اللبنانيّة ورئيسها ورئيس حكومتها ووزير خارجيّتها ورئيس مجلس نوابها، أنّه من المستحيل أن يدخل "ريال او دِرهَم" مساعدات او استثمارات الى لبنان طالما هناك سلاح خارج إطار الشرعيّة.
بمعنى آخر ليس المطلوب فقط "حصريّة السلاح" بيد الدولة ممّا يترك للسيّد قماطي هامشاً في "اللعب على الكلمات"، بل المطلوب من الدولة أن تحتكر "وحدها" كلً السلاح على كامل الأراضي اللبنانية من دون استثناء.
كم كان مُفرِحاً لسوريا وشعبها أن يوفد الأمير محمد بن سلمان مئة وثلاثين مستثمر سعودي الى دمشق ليعلنوا من على منبرها أنّهم، بتمنٍّ وبتعليمات مِن سموّ الأمير، سوف يضخّون استثمارات في سوريا بعشرات مليارات الدولارات.
لا نَحسد سوريا على نهضتها بل نحزن لكَبوَةِ لبنان المستمرّة.
بكلّ صراحة، السلاح جنوب الليطاني قد يكون مُقنِعاً لي كلبناني أنّه في مواجهة إسرائيل، أمّا السلاح شمال الليطاني فهو تأكيد لإسرائيل أن لا تهديد عليها بعد اليوم من جنوب لبنان، وأنّ هذا السلاح أضحى مُصوّباً باتجاهٍ آخر.
فهل تبدّلت أهداف هذا السلاح؟