لم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليحذر خلال الساعات الماضية بأن المنطقة على شَفا حربٍ كبيرة لا يمكن تجنّبها لولا توفّر معلومات ومعطيات أكيدة لديه عن وجود شيء ضخم يُحضّرُ للأيام القليلة المقبلة، وربما لِما بعد 5 تشرين الثاني موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.
موسكو عاجزة عن فعل أي شيء ملموس للبنان، كما أنها عاجزة عن لعب أي دورٍ في سوريا باستثناء دور الضغط على ماهر الأسد وجماعته، وهذا ما سوف نعود اليه لاحقاً في صلب هذا المقال، لكن لا بدَّ من توضيح أمرٍ أساسي يعاكسُ مراهنات العديد من المحلّلين والسياسيين الذين يرون في موسكو صمّام أمانٍ لعدم انهيار محور المقاومة، فإلى هؤلاء نقول” إن لا روسيا ولا الصين في وارد أن يكونا في محورٍ متهالكٍ وبلا أفق منذ البداية، فروسيا تعرفُ تماماً قواعد اللعبة مع الأميركيين ومع إسرائيل (وللعلم فإن علاقات الرئيس بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو قوية حتى الآن) فيما الصين ليست في وارد التدخّل بشؤون الآخرين كي لا تسمح للغير بالتدخّل في شؤونها.
وفي عودةٍ الى الموضوع السوري، يمكن التأكيد أن ثمة قراراً استراتيجياً لسوريا قد اتُخذ بالتزامن مع معالجة الملف اللبناني، وقد عُقِدَ اجتماعٌ عسكري أمني تنسيقي بين القيادات العليا الأميركية والإسرائيلية حيث وضعت شخصياتٌ وكياناتٌ على لوائح “بنك الأهداف”، ومن بينهم شخصيات سورية لم تلتزم بما تعهّدت به، وفي طليعتهم ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد وشخصيات تدور في فلكه.
ومع استجابة تل أبيب “المبدئية” للطلب الأميركي بتأجيل الضربة ضد إيران الى ما بعد 5 تشرين الثاني لعدم التأثير على حملة كمالا هاريس، إلا أن تل أبيب مصمّمةٌ على تغيير قواعد اللعبة في المنطقة من بوابتي لبنان وسوريا، لذا فإن المعطيات المتوفّرة تفيدُ بأن العلميات العسكرية الإسرائيلية في لبنان وسوريا ذاهبةٌ نحو التوسّع، وقد وجهت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الى بشار الأسد نصائح بالحياد وتجنّب العاصفة الآتية على سوريا، وقد اتُخذ القرار المركزي بطرد إيران وميليشياتها من سوريا كما من لبنان، وصولاً الى العراق فاليمن، ومن ثم في المرحلة الأخيرة إيران لإنهاء المشروع النووي الإيراني، مما ستضطر ايران ودفاعاً عن نفسها الى الردّ، وبالتالي تقع المنطقة في حربٍ إقليمية موسّعة قد تؤدي الى سقوط النظام الإيراني اذا ما تدحرجت المواجهة نحو “المحرمات” من الجهتين الإسرائيلية – الأميركية والإيرانية.
مؤشرات الميدان في سوريا تشي ببدء مرحلة الإعداد للعاصفة العاتية المتوجهة نحو سوريا، واليوم تصدّت إسرائيل لمُسيّرة آتية من الجولان لتُضاف تلك الحادثة الى مؤشرات أخرى ليس أقلها تغلغل قوات إسرائيلية في القنيطرة كخطوة إلتفافية على جبل الشيخ تمهيداً لفصل الجنوب السوري عن العاصمة دمشق، استعداداً لدخولها في مراحل لاحقة تبعاً لتطور الخطة العسكرية المرسومة.
اذاً المؤشرات العملياتية الكبيرة بدأت في سوريا والمتوقَّع اجتياحٌ إسرائيلي لجنوب سوريا بهدف تغيير خريطتها وصولاً الى جنوب ساحل طرطوس (منطقة العريضة) مروراً بالقلمون وحمص، وصولاً الى دمشق من الشمال فيما تكون محاصرة من الجنوب والشرق.
وبالعودة الى الاجتماع العسكري الأمني في إسرائيل، فقد تمَّ رسم التحالفات العسكرية والأمنية بين القوى العسكرية المتحالفة في المنطقة، وقد حازت تل أبيب على مغريات أميركية جعلتها تقبلُ بمبدأ تأجيل ضرب إيران الى ما بعد 5 تشرين الثاني المقبل، على أن يُعطى لها الضوء الأخضر بعد ذلك بتنفيذ ضربها لبنك الأهداف الإيرانية، سواء خارج إيران أو في لبنان وسوريا أو داخلها،
وهنا تعود المعضلة السياسية السورية الى الواجهة : إسرائيل تشترطُ على بشار الأسد الطلب رسمياً من الإيرانيين وميليشياتهم الانسحاب من سوريا، إن لم يكن بالديبلوماسية فبالقوة، وقد نقل الرئيس بوتين الشروط الإسرائيلية الى بشار الأسد وشقيقه ماهر قائد الفرقة الرابعة باعتبار أن تل أبيب تريد انسحاب إيران، خصوصاً من البوكمال ودير الزور وسواها من مناطق حساسة، محذّراً ماهر الأسد من أنه وضِع على لائحة الأهداف الى جانب 10 شخصيات مقرّبة منه لكونه “غشَ” الإسرائيليين والروس أنفسهم حين التزم أمام الروس (الذين يتوسّطون بين الأسد وإسرائيل) بقطع العلاقات مع الحرس الثوري الإيراني وتنفيذ خطة طردهم ليفتضح أمر مكالمة هاتفية سرّية أجراها مع قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامة محاولاً وضع خطة “تمويه” ظاهرية تُشعِرُ الإسرائيليين والروس بأنه يُنفذُ التزاماته، وبالتالي وأمام افتضاح أمر ماهر الأسد “غير الوفي” لتعهداته أرسلت إسرائيل أول إنذار له بقصف الفيلا خاصته في منطقة يعفور منذ أيام قليلة.
إسرائيل بصدد إعداد خطة توسيع الحرب اذاً في سوريا كما في لبنان، والعمليات العسكرية المقبلة منسقةٌ مع القوى الإقليمية والدولية كافة، فيما روسيا موافقة على طرد الإيرانيين وميليشياتها من هناك، لذا فالآتي كبير جداً بين لبنان وسوريا اللذين باتا في عين العاصفة.