قد تكون دعوة الرئيس نبيه بري إلى جلسة انتخاب رئاسية حرّكت الركود في المشهد الرئاسي، وذلك بعد مرور أكثر من عام على الجلسة الأخيرة، وبات المعنيون كافة بهذا الإستحقاق أمام مهلة داهمة شكّلت دافعاً لدينامية سياسية تُسجّل تباعاً، إنطلاقاً من حركة المشاورات المكثفة بين الكتل النيابية، بالتوازي مع الجهود الواضحة التي يبذلها كل فريق بات لديه مرشحاً للرئاسة، ويسعى إلى حشد الدعم والأصوات له قبل التاسع من كانون الثاني المقبل.
وتكشف مصادر متابعة لهذه الدينامية، أن الرئيس بري، ومن خلال مواكبته للجلسة المقبلة، يؤكد قناعة ثابتة بأنها ستكون جلسة انتخاب رئيس الجمهورية العتيد، ما يوحي بأن هذا الحسم يحمل في طياته مناخاً من التقاطعات الدولية والإقليمية، خصوصاً وأن ما يمهِّد لمثل هذا السيناريو بعد مرحلة طويلة من الشغور الرئاسي.
وعليه، فإن ما يعزِّز هذه القناعة، كما تضيف المصادر، يرد تباعاً في ما تتكشف عنه التحركات الديبلوماسية المكثفة التي يقوم بها موفدو وسفراء عواصم اللجنة الخماسية في بيروت، حيث بدا واضحاً أن هناك ما يشبه الحسم لدى اللجنة الخماسية، على وضع حدّ لملف الشغور الرئاسي في لبنان.
أما عن طبيعة مشهد ساحة النجمة في 9 كانون الثاني المقبل، فتطرح هذه المصادر سيناريوهان لا ثالث لهما، السيناريو الأول يتمحور حول وجود توافق بين كتل “الثنائي الشيعي” و”اللقاء الديموقراطي” و”التيار الوطني الحر”، على انتخاب رئيس توافقي، فيما السيناريو الثاني يرتبط بتوجهات أخرى لدى المعارضة النيابية، حيث أن جزءاً منها يطرح انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون، مقابل جزء آخر لم يحسم موقفه بعد، مع العلم أن أسماء عدة باتت مطروحة اليوم في التداول علناً وفي الكواليس، بموازاة الحديث عن احتمال انسحاب رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية.
إلا أن الطابع الأساسي الذي بات يميِّز هذه المشهدية السياسية “المحتدمة”، فتحدّده المصادر بما وصفته بـ”المحاولة الجدّية” من أجل خرق الإصطفافات التي كانت قائمة على امتداد العامين الماضيين إزاء انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي، فإن فشل هذه المحاولة سيؤدي إلى تحويل جلسة 9 كانون الثاني إلى شبيهة بكل الجلسات الـ12 السابقة، وذلك على الرغم من كل المواقف الداعمة لتحويلها إلى جلسة نهائية، لأنه من الصعب، وفي غياب التوافق السياسي، أن يتمكن أي مرشح من الحصول على الأصوات النيابية المطلوبة ليُنتخب رئيساً للجمهورية، وذلك بمعزل عن كل ما هو مطروح حالياً من مقاربات وطروحات تتعلق بما يمكن أن يحقّقه المرشحون في حال بقيت الكتل النيابية على مواقفها الحالية من الإنتخابات، بحيث لم يكن هناك من أي تصوّر توافقي لسيناريو جلسة الإنتخاب المقبلة، حتى ولو استمرّت الجلسة لدورات متتالية.
وفي هذه الحالة، تتخوّف المصادر نفسها، من أن تتحوّل جلسة الإنتخاب إلى ما يشبه المأزق السياسي الذي يعيد مشهد التعقيدات بكل تفاصيلها إلى ساحة النجمة، وبالتالي، نسف كل سيناريوهات التوافق للإسراع في إنجاز الإستحقاق الرئاسي، ذلك أن الذهاب إلى مواجهة بين الفريقين الأساسيين في المجلس النيابي، سيدفع نحو الدخول من جديد في نفق التعطيل، أو انتخاب المرشح القادر على تأمين 86 صوتاً نيابياً، وبالتالي بقاء كتل نيابية خارج هذا السيناريو، ما يؤدي إلى تكريس واقع الإنقسام السياسي مجدداً على الساحة الداخلية.