شكرا حزب الله…game is over

interview - kasem

كتب جورج أبو صعب: ما حصل بالأمس ليلاً على طريق المطار لم يفاجئ ولم يصدم خصوصاً عندما يكون حزب الله هو الفاعل والمفعول بنفسه.
كمّ من الصعب عليه الاقتناع بأن زمن الفوضى والعبثية والتسلّط قد انتهى … كم من الصعب عليه الاقتناع بأن زمن إيران في لبنان قد انتهى.. ولماذا انتهى؟ لأن إيران وبموازاة دعمها وتبنّيها ما سُمّي يوماً بـ “خط المقاومة والممانعة” والتي رفدت الحزب بالمال والسلاح على حساب الدولة والشعب هي التي صادرت من خلال الحزب القرار اللبناني، فهل يجب التذكير بمواقف القادة الإيرانيين السياسيين والعسكريين والثوريين الذين كانوا يتبجّحون بأن بيروت هي العاصمة العربية الخامسة التي تأتمر بهم، وأن ثلثي المجلس النيابي مسيطرٌ عليه إيرانياً، وما إلى ذلك من سرديات لم تفلح الزيارات والمواقف اللاحقة في محو آثارها المدمّرة للعلاقات اللبنانية – الإيرانية.
طهران أفادت الحزب وأضرّت بعلاقاتها بالشعب اللبناني… إيران اختصرت علاقتها مع لبنان بحزب الله واعتمدت اللغتين والوجهين في علاقتها مع لبنان وشعبه: لغة ووجه الثورة الإيرانية ولغة ووجه الدولة الإيرانية، لكن للغة ووجه الثورة كانت الغلبة على الدوام وتحوّل الحزب الى فيلقٍ موالٍ للحرس الثوري الإيراني حامي النظام في طهران ومصالحه.
ما حصل بالأمس ليلاً على طريق المطار يدفعنا لشكر حزب الله على أكثر من صعيد ومحور: فشكراً حزب الله على إعطائنا مرةً جديدة الإثبات القاطع وبالملموس بأنك خارج منطق الدولة وخارج منطق سياسات الدولة اللبنانية…
وشكراً حزب الله لأنك أظهرت للبنانين بالأمس الولاء المطلق لإيران ومصالحها من خلال الاحتجاج والتظاهر وقطع الطرق لأن طائرةً إيرانية مُنعت من الوصول إلى مطار رفيق الحريري وقد كانت تشكل خطراً على أمن المطار الموضوع تحت مجهر العدو الإسرائيلي والداعمين له والحلفاء، لكن ما هم الحزب من الخطر على المطار فالمهم بالنسبة له خطف طريق المطار وزرع الفوضى على طريقه وإرهاب الناس والمسافرين والوافدين لا لشيء إلا لأن طائرة إيرانية مشبوهة مُنعت من الهبوط في المطار…
أن يُقصف المطار ويدمَّر هو أمر اعتيادي لدى الحزب الذي اعتاد أن يدمّر كل شيء في سبيل الولاء لأجندة ولاية الفقيه…
وشكراً لحزب الله لأنه أثبت مرة جديدة بالأمس الضرورة الملحّة لمطار جديد آخر بعيداً عن نفوذه وسطوته وسيطرته… مع أننا نحيي الجيش اللبناني والأجهزة الامنية على عمليتها الممتازة بتفريق المحتجين وإعادة فتح طريق المطار ولو بالقوة إلا أننا لا نرى إمكانية التغاضي عن ضرورة ملحّة في فتح مطارٍ ثانٍ وثالثٍ في لبنان … لأن تصرفات الحزب عند كل مشكلة بقطع طريق المطار وترهيب الناس وتهديد أمنه وأمن البلد لم تعد مقبولة بأي شكل من الأشكال، ولا بدّ من مطار آخر وبأسرع وقت، وعلى الحكومة الجديدة التركيز على الموضوع واتخاذ القرارات المناسبة وبالأولوية.
وشكراً حزب الله لأنك تمكّنت بساعات قليلة من تقديم الدلائل القاطعة على أنك خارج منطق الدولة والمؤسسات وخارج منطق المرحلة الجديدة، وقد أثبتت لنا ضعفك وهوانك والحالة المزرية التي وصلت اليها، والغريب كيف أن هذا الحزب الذي تعرّض لما تعرّض له من إضعاف وخسائر بشرية وبالسلاح والترسانة والقيادات العليا التاريخية له نتيجة حربه على إسرائيل يعيش التناقضات بين الإقرار بالهزائم وبين الاستمرار في ذات النهج الماضي أيام عهوده الذهبية …
وشكراً لحزب الله الذي أثبت لنا أيضاً ولمرّة جديدة أنه أصبح معزولاً ومرذولاً حتى من حليفه المباشر في بيئته “حركة أمل” التي تبرأت من تصرفاته الفتنوية المافياوية مؤخراً بموضوع مَسيرات الموتوسيكلات الفارغة، والتي تتبرأ اليوم من مسألة منع طائرة إيرانية مشبوهة من الهبوط في مطار بيروت … وماذا نقول عن باقي مَن كانوا حلفاء الحزب عندما كان قوياً ومسيطراً ومتسلطاً على لبنان؟؟؟ أين هم اليوم سواء تلك الأبواق الإعلامية أو الشخصيات السياسية أو الجماعات أو الاحزاب أو التيارات أو الكتل النيابية؟
ليس بهذه الفوضى والعبثية تُعالَج مكامن الخوف يا حزب الله… وليس بالخروج عن منطق الدولة والنظام تُعالَج الهواجس يا حزب الله … فاللبنانيون حتى خصوم الحزب السياسيين مدّوا وما يزالوا يمدّون اليد للعمل سوياً على العودة إلى الدولة والعمل معاً على إعادة بناء الدولة مستفيدين من الدفع الأممي والعربي الحاصل باتجاه إعادة إمساك لبنان بقراره وتقرير مصيره بنفسه مع بداية عهد الرئيس جوزاف عون المعوّل عليه الكثير الكثير… فبماذا يردُّ عليهم الحزب؟ بالإصرار على التقوقع والانعزال عن سائر لبنان؟ بالإصرار على البقاء على نفس النهج والأسلوب الماضيين في حكم لبنان بقوة سلاح لم تعد موجودة ولم يعد السلاح نفسه صالحاً وقوياً؟ بالإصرار على رفض الانتظام ضمن الدولة والقوانين والمؤسسات؟ برفض الانفتاح على اللبنانيين والحوار معهم والتمسك بالتعالي والاستكبار وعنجهية الخاسر المتكبّر؟
بالإصرار على اعتبار نفسه ممثلاً لطائفة كريمة مؤسِسة لدولة لبنان عربية وطنية وهو أبعد ما يكون عنها؟
ألم يكفِ الحزب ليس فقط مصادرة واختزال للبنان بنفسه بل ومصادرة واختزال لطائفته بنفسه؟
ها أن الوزراء الشيعة الجدد في حكومة الرئيس نواف سلام هم خير دليل على الطاقات و”الهامات” الكبيرة التي تذخرُ بها الطائفة الشيعية الكريمة، فلماذا الإصرار على إظهار وجهٍ قبيحٍ لتلك الطائفة اللبنانية الأصيلة من قبل حزب الله؟
شكراً حزب الله لأنك أقنعتنا بأننا سوف ننقذك من نفسك وربما رغماً عنك.. لأن المستقبل السياسي مفتوح أمامك فيما تصرُّ على ممارسة العنف والإرهاب والقوة الفارغة وتصرُّ على سلاح غاشم وولاء سياسي ساقط ومن دون أفق، إذ لم يعد هو الضمان لبقائك إنما الضمان الأقوى هو الدولة والانضواء تحت كنف المؤسسات والدستور والقوانين والعمل السياسي أسوةً بسائر الأحزاب…
انتهت اللعبة… وانتهى زمن العبث بالدولة والقضاء والأمن والسيادة … وإن كان الحزب خائفاً فليس بافتعال الأزمات والفوضى والعبثية ينقذ نفسه… وإن كان الحزب قلِقاً على مستقبله فالمستقبل يُكتب للجميع في إطار الحوار الوطني البنّاء الذي يحفظ كافة حقوق الطوائف ويعيدهم في الوقت عينه إلى موجباتها الوطنية.
شكراً حزب الله على هذا الكمّ الهائل من الأفعال والوقائع التي تدينك وتدين نهجك وتدين خطابك السياسي المستكبِر والمنفصل عن الواقع وحقائق هذه المرحلة الجديدة… فمن أفعالهم وأعمالهم تدينونهم وهذا ما يفعله الحزب مشكوراً…

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: