بعد سنواتٍ من الأزمات السياسية والاقتصادية، ومعاناة اللبنانيين من تداعيات الحرب الأخيرة، بدأ لبنان يستعيد تدريجياً بعضاً من وهجه السياحي الذي لطالما ميّزه في المنطقة. فرغم الجراح المفتوحة، لا تزال روح الحياة تنبض في المدن اللبنانية.
وتقف مدينة صور، إحدى أقدم مدن العالم، كنموذج حيّ على واقع الإهمال والتهميش. فعلى الرغم من غناها التاريخي والحضاري، وكونها موقعاً تراثياً عالمياً مُدرجاً على لائحة اليونسكو، إلا أن المدينة تواجه واقعاً قاسياً من التراجع في عدد الزوّار، وغياب البنى التحتية، وتجاهل الجهات الرسمية لإمكاناتها السياحية.
فكيف لبلد مثل لبنان، ومدينة كصور، أن يهمل هذا الكنز الثقافي والتاريخي؟
في هذا السياق، أشار المستشار في التنظيم المدني والأستاذ الجامعي جورج نور إلى أن صور “مدينة تاريخية عريقة، واجهت عبر الزمن الحروب والاعتداءات، لكن أهلها امتلكوا دائماً روح النهوض والإعمار، ما ساعد على إبقاء صور على الخريطة السياحية رغم كل الظروف”.
أضاف نور: “منذ عام 1975 حتى اليوم، لم يتغيّر الوضع كثيراً، باستثناء ما بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي خلّفت أضراراً كبيرة على المدينة”، مشدداً على أن “صرخته هي صرخة إنمائية هدفها إعادة تنشيط القطاع السياحي في صور”.
وكشف نور أن وفداً وجّه نداءً إلى وزارة السياحة لزيارة المدينة وتفقّد أوضاعها، إلا أن الرد جاء مخيّباً للآمال، حيث أبلغتهم الوزارة بأن “صور ليست منطقة سياحية، بل منكوبة، ولا تُعد أولوية في خططها، التي تتركز حالياً على إنماء المناطق الآمنة والنشطة ثقافياً”.
واعتبر نور أن هذا الموقف الرسمي “يشكّل غبناً كبيراً بحق أبناء صور، وبحق السياحة اللبنانية عموماً”، مضيفاً: “الجنوب دفع ثمناً باهظاً في الحروب، ويقابله اليوم بالإهمال”، ومن هنا شعارنا “يا دولة زورينا”.
وقد طرح نور خطة عمل من سبع نقاط لإنقاذ القطاع السياحي في صور، داعياً وزارة السياحة إلى أن تكون القدوة في تنفيذها:
تقييم وإعادة تأهيل البنى التحتية: ودعا الوزارة إلى زيارة المدينة وتكليف مؤسسات الدولة بإحصاء الأضرار التي خلّفتها الحرب الأخيرة.
إيجاد تمويل للتأهيل: بالتعاون مع البلدية والجمعيات المحلية والدولية، مشدداً على أن صور مذكورة في جميع الكتب الدينية والتاريخية.
تعزيز السياحة الدينية: إذ تُعرف صور بأنها مدينة العيش المشترك وتحتضن كنائس وجوامع تاريخية.
تحسين صورة المدينة إعلامياً: من خلال خطة تسويقية تشرف عليها الوزارة، مع تنسيق أمني مع وزارتي الدفاع والداخلية لتأمين سلامة السياح، مؤكداً أن الخطر لا يقتصر على صور وحدها، فقد استُهدفت أيضاً مناطق مثل طرابلس.
إحياء الذاكرة الجماعية للمدينة: عبر دعم المبادرات المحلية كتنظيف الشاطئ، والاهتمام بالمتاحف والأسواق القديمة، رغم النقص في التمويل وضعف إمكانيات البلديات.
دعم العاملين في القطاع السياحي: من خلال تأمين الكهرباء، الإنترنت، والمياه، وتوفير تسهيلات للفنادق والمطاعم والحرفيين، خصوصاً أن المواطنين يلتزمون بالضرائب لكن لا يلمسون المقابل.
تدريب العنصر الشبابي: لتأهيلهم في مجالات الاستقبال والإرشاد السياحي، في ظل غياب الأدلاء وضعف المعرفة السياحية في المدينة.
ونوّه نور إلى أن البلدية، رغم دورها اليومي، غير قادرة بمفردها على تنفيذ هذه الخطة، مؤكداً أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق وزارة السياحة.
وختم بالقول: “شواطئ صور ما زالت مجانية، والمواقف تكلّف فقط 100 ألف ليرة لتأمين رواتب الموظفين. صرختنا بسيطة: نحن مستعدون للتعاون مع كل الجهات الرسمية، والهدف هو إنقاذ المدينة وضمان استمرارية السياحة في المنطقة”.