طرقات لبنان تحت التهديد.. الحفر والنفايات تسبق الشتاء

trash-qu72i8wvleysnl3xymook26xrtwxt0wnjzzlvz3eow

في وطنٍ تُرهقه الأزمات وتنهشه اللامبالاة، تُضاف الطرقات اللبنانية إلى لائحة طويلة من الكوارث المؤجّلة. مشهدٌ يتكرّر يومياً، حفر وجور، طرق غير صالحة للسير، صرف صحي مكشوف، نفايات مكدّسة وبنية تحتية لا تصمد أمام أول قطرة مطر. ومع اقتراب فصل الشتاء يتعاظم القلق الشعبي، ليس فقط من غزارة الأمطار بل من عجز الدولة والبلديات عن مواجهتها.

الطرقات التي يفترض أن تكون شرايين حياة، باتت اليوم مصدر خطر يومي على المواطنين، والسؤال الجوهري لم يعد "متى تُزفّت؟"، بل "كم من الضحايا ستسقط قبل أن تتحرك الدولة؟".

وفي هذا السياق، أشار أعضاء بلديات إقليم الخروب عبر "LebTalks" الى أن "نعاني من عجز مزمن في الميزانيات، ومحدودية بالموارد اللوجستية. منذ سنوات، لم تصلنا أي خطة مركزية واضحة من الدولة لإعادة تأهيل الطرقات في منطقتنا، بل بتنا نلجأ إلى حلول ترقيعية".

أضاف الأعضاء: "أما في ما يخص النفايات، فالمشكلة أعقد مما يراه الناس في الشارع. لا يوجد مطمر قانوني نستطيع تحويل النفايات إليه بانتظام. الشركات المكلّفة غالباً ما تتوقف عن العمل بسبب مستحقات غير مدفوعة، والنتيجة واضحة نفايات تتراكم على الطرقات تختلط بمياه الأمطار لاحقاً، وتتحوّل إلى كارثة بيئية وصحية".

وأكدوا أن "نحن لا نتنصّل من المسؤولية، ولكننا نعمل بلا مقوّمات حقيقية. ما نحتاجه ليس فقط محاسبة، بل إعادة هيكلة شاملة لكيفية إدارة الخدمات الأساسية في لبنان".

بدوره، قال المهندس المدني بشير فواز أن "الوضع كارثي بكل المقاييس الهندسية. أكثر من 60٪ من الطرقات في لبنان غير صالحة للاستخدام الآمن، ولا تراعي أدنى المعايير العالمية لصيانة البنية التحتية. في الشتاء، تتحوّل الجور إلى عوائق حقيقية للسيارات والدراجات، وغياب الصيانة الدورية يعني أن كل شتاء يُعيدنا خطوات إلى الوراء".

وأفاد فواز بأن "النفايات المكدّسة على جوانب الطرق تؤدي إلى انسداد المجاري، مما يزيد من احتمال الفيضانات بشكل خطير. والأخطر أن مياه الأمطار المختلطة بالنفايات تدخل في بنية الطريق، فتؤدي إلى تآكل الإسفلت وتفككه بسرعة قياسية".

وأكد أن "هناك حلول موقتة مثل تعبئة الحفر وتنظيف المجاري يدوياً، لكن من دون مشروع وطني متكامل لإعادة تأهيل البنى التحتية، نبقى ندور في حلقة مفرغة".

ورأى أن "المشكلة ليست فقط في التمويل، بل في غياب التخطيط والمحاسبة. الدولة تنفق الملايين، ولكن من دون رؤية طويلة المدى، وهذه الأموال تذهب هدراً، تماماً كالأمطار التي تهطل وتغرق كل شيء من دون أن تُثمر".

من ناحيته، قال المواطن سليم أبو ضاهر الذي يسكن في الدامور ويعمل في بيروت: "أبدأ يومي بمناورة بين الحفر والنفايات. أقود سيارتي كل صباح وأنا أعلم أن أي خطأ صغير قد يكلّفني إصلاحاً يفوق مدخولي الشهري. الطرقات بين القرى والمناطق باتت كأنها خارطة حرب، كل متر يحمل مفاجأة".

وأوضح ضاهر أن "النفايات على جوانب الطريق لم تعد تُثير غضبي فقط، بل خوفي. أخاف من أن تسدّ المجاري عند أول شتوة، فتفيض الطرقات كما حدث في السنوات الماضية، وأجد نفسي محاصراً في سيارتي".

أضاف: "لا أشعر أن أحداً من المسؤولين يهتم فعلياً. الوعود تتكرّر كل سنة، والمشهد لا يتغيّر. نحن ندفع الثمن من صحتنا وأعصابنا وسياراتنا. أنا لا أطلب مستحيلاً، أريد فقط أن أصل إلى عملي بأمان، وألا يبتلع الطريق سيارتي في حفرة مخفية بالمياه". مؤكداً أن "ما نعيشه ليس حياة طبيعية، بل صراع يومي للبقاء وسط فوضى عارمة".

لبنان لا يحتاج إلى موسم شتاء جديد ليغرق، فهو غارق منذ سنوات في بحور من الإهمال والفساد وغياب التخطيط. ما يحدث اليوم على الطرقات ليس فقط نتيجة عواصف جوية، بل نتيجة عواصف سياسية واقتصادية مزّقت أوصال الدولة وألقت بعبء الفشل على كاهل المواطن.

لا يكفي أن ننتظر "الشتوة الأولى" لنتحرك، المطلوب ثورة حقيقية في إدارة الشأن العام.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: