عبور "الاوتوستراد".. طريقٌ مختصِرٌ للحياة

autostrad

تتزايد يومًا بعد يوم الحوادث المأساوية على الأوتوسترادات اللبنانية، نتيجة عبور المواطنين الطرق السريعة سيرًا على الأقدام، في مشهد بات مألوفًا رغم خطورته. مشهدٌ يضع حياة العابرين والسائقين على حدٍّ سواء في خطرٍ دائم، إذ تكفي ثانية واحدة لتحويل طريق إلى كارثة تنتهي فيها حياة إنسان، ويبدأ معها ندمٌ لا ينتهي.

وراء كل حادث على الأوتوستراد تكمن أسباب متعددة، منها نقص جسور المشاة، مرورًا بتقصير الدولة في تأمين ممرات آمنة، وقلة وعي بعض المواطنين، أو ببساطة المجازفة بـ"اختصار الطريق". لكنّ الثمن في كثير من الأحيان يكون باهظًا، حياة تُفقد، إصابة خطيرة، أو مأساة لا تُمحى.

من مأساة شخصية إلى قضية عامة

في هذا السياق، تروي "ز.ق"، إمرأة فقدت شقيقتها في حادث مأساوي على أحد الأوتوسترادات، تفاصيل اللحظات الأخيرة التي غيّرت حياتها بالكامل، وقالت: "كنت أنا وشقيقتي نتوجّه كل صباح للعمل، وكنا نضطر لعبور الأوتوستراد لعدم وجود أي جسر قريب. كان الطريق الأقصر بالنسبة إلينا".

أضافت بأسى: "في ذلك اليوم، كانت الساعة الخامسة صباحاً، لم يكن هناك سوى سيارة أو اثنتين على الطريق، توقفتُ لأتحدث مع شخص، فيما قررت شقيقتي أن تعبر وحدها، كانت تصلّي وهي تمشي، وفجأة، رأيت سيارة تصدمها أمام عيني. لم أعلم ماذا حدث، ركضت نحوها، حضنتها وسط الأوتوستراد وقلت لها: إذا كنتِ تسمعيني، افتحي أو أغمضي عينيك... لكنها لم تستجب، حينها علمت أنها رحلت."

بصوت يملؤه الحزن، تابعت: "أردت فقط أن أعرف من صدمها. لو لم يفر السائق وساعدها، ربما كانت لا تزال على قيد الحياة. لا أريده أن يعاقَب، فقط أريد أن أعرف من قتل شقيقتي"، مضيفة: "لو كنت مكانه، لتوقفت بلا شك، لأنها روح إنسان".

وختمت بحرقة: "لو وُجد جسر، لكنا عبرنا عليه بأمان، ومنذ ذلك اليوم، لم أعد أجرؤ على عبور الأوتوستراد".

عقل: حوادث المشاة تشكل ثلث ضحايا الطرق

في هذا السياق، كشف رئيس جمعيّة "اليازا" زياد عقل، في حديث خاص إلى موقع "LebTalks" عن أن "حوالي ثلث إجمالي الضحايا الذين نخسرهم سنوياً على طرقات لبنان هم من المشاة الذين يعبرون الطرق الدولية في أماكن غير مخصّصة لعبورهم. في كثير من الأحيان، يكون هناك جسر أو نفق مخصّص للمشاة، إلا أنّهم لا يستخدمونه".

وأشار إلى أنّه "من المهم أن يتحلّى المشاة بالوعي وأن يستخدموا الجسور والأنفاق المخصّصة لهم، كما من الضروري أيضاً حماية حقوقهم من خلال تأمين الأرصفة المناسبة، إذ إنّ معظم الأرصفة في لبنان باتت مجتاحة".

واعتبر أنّه "هناك فئة من المشاة قد لا تتجاوب مهما اتُّخذت إجراءات"، لذلك طالب "وزارة الأشغال العامة والبلديات وضع فواصل حديدية في الأماكن القريبة من جسور المشاة، لضمان عبورهم الآمن من دون تعريض حياتهم للخطر".

كما أكّد أنّه في إطار توسيع أوتوستراد جونية، وضعت الدولة خطّة لإنشاء أحد عشر جسرًا مخصّصًا للمشاة.

الحوادث على الأوتوسترادات اللبنانية ليست مجرد أرقام في إحصاءات، بل مأساة يومية تعكس غياب البنية التحتية الملائمة ونقص الوعي المجتمعي معاً.

كل خطوة خاطئة على الطريق يمكن أن تتحول إلى نهاية مأساوية، ولكل روح مفقودة قصة وألم لا يُمحى، عبور الأوتوستراد بشكل آمن لم يعد رفاهية، بل ضرورة حياة، تحمي المواطنين وتخفف من مأساة فقدان الأحباء.

الحل يبدأ بتأمين البنية التحتية، ووعي المشاة، والتزام الجميع بالقوانين، لتتحوّل الطرق من ممرات خطر إلى مسارات حياة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: