عندما تعود “حماس” المنهزِمة الى طرح حل الدولتَين…بعد دخولها في التاريخ وخروجها من الجغرافيا 

gaza

تضجُ المنطقة حالياً بالعديد من الأخبار التي تتناولها وسائل الإعلام عن صفقاتٍ تُطبخ في كواليس حرب غزّة، وعن صيغٍ تفاوضية تُطرح من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وعن معالجاتٍ تتمُّ لموضوع رفح والرهائن، والى ما هنالك من صخبٍ وضجيجٍ سياسي وإعلامي وديبلوماسي، فيما الحقيقة في مكان آخر كلياً: مكانٌ حيث حركة حماس تطرح على المفاوضين المصريين والإسرائيليين تسليم سلاحها بشكلٍ كاملٍ وعلى خمس سنوات في مقابل إقامة دولة فلسطينية.

بعد “طوفان الأقصى” قطاعٌ مدّمَرٌ عن بكرة أبيه

عند هذه النقطة، يتوقّفُ الزمن قليلاً لنعود بالذاكرة الى ما سبقَ وقلناه وكتبناه وما قيل من الآخرين عن أن المفاوضات السعودية- الأميركية- الإسرائيلية قبل السابع من تشرن الأول 2024 كانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق دولة فلسطينية، وهي كانت ولا تزال الشرط العربي والخليجي والسعودي الوحيد للتطبيع، وحينها كانت غزّة موجودة بقوتها والضفّة مضمونة الوجود، وكان من السهل جداً تحقيق حلّ الدولتين، أما اليوم وبعد “طوفان الأقصى” الشهير، والذي كان مُفترضاً به أن يؤدي الى دخول العمق الإسرائيلي وتحرير الأقصى، بات حالياً محصوراً ببضعة كيلومترات مربّعة في رفح، فيما القطاع برمّته دُمّر عن بكرة أبيه وهُجّر شعبه وقُتل أكثر من ٣٠ ألفاً من سكانه وجُرح أكثر من خمسين ألفاً ونزح أكثر من مليون ونصف مليون غزاوي، فكيف يمكن أن يكون هذا الطوفان مساعداً على إقامة دولة فلسطينية؟

عندما جنت “حماس” على نفسها وعلى القلسطينيين

عندما كانت الرياض تفاوض لحلّ الدولة الفلسطينية، كانت “حماس” تدّعي عكس التطبيع وعكس حلّ الدولتين، وتسعى الى انتزاع شرعية بالدم والدمار، فليتها نجحت في ذلك لكنا جميعا اليوم “حماسيون” … أما وقد فشلت، وأكثر من ذلك عادت الى ما كانت مفاوضات التطبيع تسير فيه وهي منهكةٌ عسكرياً وقد تمَّ القضاء على ثلاثة أرباع قياداتها وكوادرها وقوتها النارية، فالسؤال المطروح: ماذا كانت خسرت “حماس” لو بقيت على جاهزيتها وقوتها العسكرية الداعمة والرافعة لمفاوضات التطبيع بغية تحسين شروط المفاوض العربي؟

أما اليوم وبعد أن اصبحت “ذليلة ومسحوقة” عادت لتتلحّف المبادرة الخليجية وتتخفّى وراء مفاوضات التطبيع لتُنقذ نفسها من الزوال الحتمي أقله عسكرياً، وهذا ما جنته على نفسها براقش …

 عن هدنة السنوات الخمس بين حماس وإسرائيل

ليس المهم اذاً ما يُطرح حالياً في الإعلام من شروطٍ وشروطٍ مضادة أو هدنة وقف إطلاق نار وحلولاً أخرى مجتزأة، بل الأهم الحقيقة التي تخيّم على المفاوضات من تراجعٍ ضخم لحماس ما خلا مبادرتها بعرض تسليم سلاحها مقابل دولة فلسطينية …فالقيادي في حركة المقاومة الإسلامية (أي حماس) خليل الحيّة قالها وبكل صراحةٍ منذ أيام حول “استعداد الحركة للموافقة على هدنة لمدة 5 سنوات أو أكثر مع إسرائيل إذا تمَّ إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام ١٩٦٧ …

 “حماس” دخلت التاريخ لكنها خرجت من الجغرافيا

“طوفان الأقصى” أوصل حماس، وبعد أكثر من سبعة أشهر من القتل والتدمير والتهجير لقطاع غزة الى هذا الطرح … وكأن حماس استيقظت فجأةً من غيبوبتها وعادت واستدارت باتجاه السعودية والخليج والدول العربية لتطالب بما كان من المحتمل أن يتوصّلوا اليه من دون لا طوفان ولا أقصى ولا من يحزنون … لكن المعادلة اليوم تغيّرت وبات على حماس أن تُدرك بأنها فوّتت فرصة كبيرة في الحفاظ على توازن رعبٍ وتوازن قوى، وقد باتت ضعيفة محاصرة وقطاعها مدمّر وقوتها العسكرية الرادعة متهاوية … فكيف يمكنها أن تفرض شروطها؟ وكيف يمكنها أن تعود بعد الذي فعلته، تكبّراً واستكباراً وتجبّراً الى نقطة البداية؟؟؟  فالطبخة نفسها التي كادت توصل الفلسطينيين وهم الى حدٍّ ما أقوياء باتت “حماس” تطالب بها وهي ضعيفة، وقد أضعفت معها السلطة الفلسطينية وأوراق القوة الفلسطينية … 

هي الطبخة نفسها التي وصلت الى المطالبة بها حماس والتي كانت تُطبخ عربياً وخليجياً  من دون الحاجة الى “طوفان أقصى” أعاد التفاوض الى نقطة البداية … بما يُثقل على السعودية والخليج أكثر فأكثر عبء التفاوض مما كان عليه لو لم تتمرّد “حماس” على المساعي الخليجية وعلى خطة الطريق التي كانت تسير بها الرياض في مفاوضاتها مع الأميركيين والإسرائيليين، لأن القطاع كان بغنى عن كل هذه الكارثة لا بل هذه النكبة التي حققها “طوفان الأقصى” … وكانت القضية الفلسطينية التي ندعم بغنى عن مشهد مسح القطاع عن بكرة أبيه … فماذا ربحت “حماس” في اﻻستراتيجيا والجيو سياسة ؟؟

فهي دخلت التاريخ في ٧ تشرين الأول لكنها خرجت من الجغرافيا على امتداد ٧ أشهر … 

خسرت الدور … وعامل الضغط الداعم للتفاوض.. وموازين القوة … 

 أجندة إسرائيلية- إيرانية أوصلت “حماس” الى الهزيمة العسكرية

حماس” و”الجهاد الإسلامي” أجهزا على المبادرة العربية لا بل الشرط العربي الخليجي للتطبيع … ولم يقدّما بديلاً ناجحاً سوى الدمار ومحو غزّة عن الخريطة … ليعودا الآن لطرح حلّ الدولتين كشرطٍ لتسليم السلاح … بعدما أدركا تخلّي إيران عنهما واستكتارها شنّ هجماتٍ صاروخية وبالمُسيّرات على إسرائيل بإسم غزّة لا بإسم الانتقام لاستهداف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق …

ويبقى أن نعرف ما إذا كان طرح “حماس” جدّي إم إعلامي فقط؟ وهل الطرح يُعبّر عن قناعة “حمساوية” أم أنه يأتي كمناورةٍ سياسية موقتة للاستحصال على غطاء عربي- خليجي بعدما باتت عارية وقد تلحّفت بالغطاء الإيراني الذي باعها عند أول مفترق طريق؟ 

وهل الموقف الحمساوي خديعة لجلب العرب اليها أم أنها تمارس نظام “التقيّة ” الذي تمارسه راعيتها إيران؟ 

حماس” قد تكون تتحرّك بناءً إملاءات إيرانية جديدة تهدف الى إبقاء الحركة موجودة في المعادلة المستقبلية لفلسطين لاسيما وأن إيران تريد الحدّ من خسائرها في فسلطين بعدما مُنيت بهزيمة سياسية وإعلامية واستراتيجية كبيرة في القطاع مع جماعتها، وهي المسؤولة الأولى عن تخلّيها عنهم، فإذا بها تحاول الآن إبقاء الحركة من ضمن المعادلة الفلسطينية المستقبلية كي لا تخرج كلياً بعد هزيمتها عسكرياً …

ومن الممكن اعتبار أن “حماس” نفّذت منذ 7 تشرين الأول أجندة إسرائيلية-إيرانية في آن من خلال إيصال القطاع الى درجة استسلام وانهيار وإدخال اﻻسرائيلي اليه، وهو الذي كان قبل 7 تشرين الأول خارجه، ما يُسهّل على إسرائيل فرض شروطها أكثر وبأريحية أكبر … فقبل السابع من تشرين الأول كان القطاع بكامل قوته وبناه التحتية والخدماتية و”حماس” بكامل ترسانتها العسكرية … فماذا بقي من كل هذا كي تخشاه إسرائيل أو تحسب له حساباً؟

فلو أُعلنت دولة فلسطينية من دون 7 تشرين الأول لكانت ستكون موجودة بجهوزية وقوة أكبر وبنى تحتية متكاملة عمّا باتت عليه اليوم … فهل كانت العودة الى الشرط العربي تستأهل كل هذا التدمير واﻻنهيار؟؟؟؟ 

 بانتظار دورٍ تخريبي جديد

دور “حماس” التخادمي بين إيران وإسرائيل انتهى وتم تنفيذ الأجندة التخادمية بنجاحٍ من خلال تدمير غزّة وتأدية الخدمة الجليلة لإسرائيل ليُقضي على مشروع إقامة الدولة الفلسطينية ويدّمر سلاح أهل غزّة بشكلٍ كامل، وينحصر التفاوض في كيفية تأمين عودة “حماس” الى الحكم بعد التدمير لتتحوّل الى حزبٍ سياسي يقيها غضب الجماهير التي دُمّرت بسببها وقُتلت وتهجّرت… فالبحث عن ثمنٍ سياسي يحافظ على ماء وجهها هو الشغلُ الشاغل للحركة في المرحلة المقبلة… 

ليبقى التساؤل عمّن يضمن أن لا تعود “حماس” وتنقلب على العرب مجدّداً بعد حين؟ ومَن يضمن أن لا تبقى “حماس” شوكةً في الخاصرة العربية والخليجية بعد أن تجنّدها إيران مجدّداً ضد العرب؟ 

 هي أسئلة مشروعة نترك للمستقبل أمر الإجابة عليها، لكن الأكيد أن “حماس” أثبتت أنها على استعداد لحرق كل ما حولها من أوراق وقطاع وشعب غزاوي، وها هي اليوم في المفاوضات لتبقى فقط في السلطة ومشارِكة فيها مهما كلّف الأمر وبانتظار أيام أفضل … ودور تخريبي جديد …!!!

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: